الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، فأشكر الله العلي القدير على ما أنعم به من إتمام مادة هذه الورقة البحثية والتي هي بعنوان: دور صوماليي المهجر في تنمية المجتمع- المهاجرون الصوماليون في كينيا أنموذجا المقدمة للمؤتمر العلمي الثالث المزمع عقده بمقدشو – الصومال نهاية شهر أكتوبر القادم ٢٠٢٣م.وقد اقتضت طبيعة البحث المقتضب تقسيمه إلى ثلاثة ادوار رئيسة وهي:
اولا: مراحل هجرة الصوماليين إلى كينيا
ثانيا: الفوائد الاجتماعية والاقتصادية المجنية من هجرة الصوماليين إلى كينيا.
ثالثا: دور المرأة الصومالية في كينيا بتنمية المجتمع والسلم الأهلي ،والشكر موصول إلى القائمين على مركز المقاصد للبحوث والدراسات في إتاحة الفرصة للمشاركة وتقديم الورقة البحثية؛ كما أشكر على أستاذتي وزملائي على حسن تعاونهم وفقهم الله جميعا لخدمة العلم والبحث. نيروبي – ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٣م الموافق ربيع الأول ١٤٤٥هـ
أولا: مراحل هجرة الصوماليين إلى كينيا
جرت سنة الله عز وجل عند انهيار الدول أن تتغير أوضاعا كثيرة بسبب سقوط تلك الدولة؛ وقد أشار إلى ذلك العالم الاجتماعي ابن خلدون في حديثه عن سقوط الدول وانهيارها بقوله:.. (وهكذا يتحول البلد إلى بقعة يلجأ اليه كل الخونة والمفسدين إلى أن يأتي الله أمة أخرى تحل محل تلك الأمة المنهارة وهذه سنة الله عز وجل).
فمنذ سقوط الحكومة المركزية في الصومال هاجر عدد كبير من الصوماليين إلى خارح البلاد عموما وإلى كينيا خصوصا بحكم الجوار ووجود مكون اجتماعي صومالي مسبقاً بالإضافة إلى طبيعة الكينيين في قبول الآخر نسبيا.
ويمكن تقسيم هجرات الصوماليين لكينيا إلى ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الاولى: وصول الصوماليين إلى كينيا في القرن الثامن عشر الميلادي لسببين رئيسين:
تبليغ الدعوة الإسلامية والرسالة المحمدية بجانب إخوانهم المسلمين من المجموعات العربية والهندية ولعل اشهرها الرحلة الدعوية للشيخ أويس البراوي التي وصلت إلى بعض سواحل شرقي إفريقية.
الهجرات القسرية للرعاة بسبب الحروب والجفاف والتنقل سعيا وراء الكلأء والماء والتدافع بين القوميات والقبائل ليستوطن الصومالي في شمال شرقي كينيا وشمالها من منديرا ومويالى ووجير وغاريسا وتاناريفا.
المرحلة الثانية: وصول الصوماليين إلى كينيا في القرن التاسع عشر وذلك لأسباب اهمها:
استقطاب بريطانيا جنودا من الصومال إلى كينيا لمشاركة حربي العالمية الأولى والثانية ضد مناوئيها ثم بعد جلاء البريطانيين بقوا في كينيا، وهولاء من أوائل الصوماليين الذي سكنوا كينيا خارج منطقة شمال شرقها ليصبح أبنائهم نواة لما عرف فيما بعد ب “صومالي سيجوي” في نيروبي وممباسا وأسيولو وككميغا وميغوري وغيرها.
اللجوء السياسي والفرار من بطش الأنظمة السياسية الحاكمة في الصومال وكسر حواجز الحدود المعروفة ب: ” SEER” ؛ وذلك قبل الاستقلال من الاستعمار الأوروبي وبعده.
الرحلات التجارية والبحث عن فرص أفضل للحياة ومن ثم الإقامة في كينيا.
البعثات التعليمية لطلبة العلم الصوماليين بالمؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات الحكومية والمعاهد الإسلامية في كينيا.
المرحلة الثالثة: هجرة الصوماليين بعد الانهيار من 1991م إلى الآن
بعد سقوط الحكومة المركزية في الصومال لجأ عدد كبير من الصوماليين إلى معسكرات اللاجئين في شمال شرقي كينيا وتلقوا فيها ترحيبا من الحكومة الكينية والمجتمع الكيني عامة والصوماليين الكينيين خاصة فتم إيواء عشرات الآلاف بمعسكرات اللاجئين في داداب وإيفو وطكحلى وحكرطير وكاكما في كينيا ويمكن تقسيم مهاجري هذه المرحلة إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: اللاجئون بالمعسكرات
إقامة أو معبرا أقام اللاجئون الصوماليون في كينيا ولا زال اللجوء مستمرا حتى تاريخه؛ وذلك بسبب عدم الاستقرار الناتج عن الحروب الأهلية والمواجهات المسلحة وبسبب الجفاف المتتابع بما كسبت ايدي الناس من سفك الدماء وقطع الأشجار والاحتطاب الجائر لإنتاج الفحم التي تسبب تغير المناخ؛ ورغم ان اللاجئين يعانون عددا من المضايقات في التنقل والتهديدات الامنية؛ إلا ان ذلك لم يمنع منهم تحويل المحن إلى المنح؛ حيث اتيح لللاجئين في المعسكرات عددا من الفرص التجارية والتعليمية والهجرة إلى الغرب لحصول فرص أفضل لابنائهم ومن ثم الإقامة في كينيا.
المجموعة الثانية: التجار والمستثمرون امتلك عدد من المهاجرين الصوماليين أراضى في كينيا بصفة مقيمين أو مواطنين وافتتحوا مشاريع تجارية عملاقة في قطاع الجملة والتجزئة في سوق غاريسا لوج بحي إيستلي في نيروبي ثم توسعت أعمالهم التجارية إلى أطراف نيروبي وممباسا وإلدورت، ثم تطورت إلى العقار بنوعيه السكني والأرضي والشحن البحري والجوي والنقل الجوي وتنظيم رحلات الطيران من وإلى الصومال وغيرها.
المجموعة الثالثة: العائدين من المهجر والمتحولين من البلدان الأخرى ربما تعد هذه المجموعة من أكثر المجموعات تاثيرا للهجرة إلى كينيا وقد بدأ تاثيرهم بعد دخول القوات الإثيوبية في مقديشو عام ٢٠٠٦م وانتقال كثير من الأسر مع عائلاتهم وتجارتهم إلى نيروبي رغم الرحيل التعسفي الذي طال بهم بعد ذلك، كما أثر قرار منع إدارة ترامب من استقبال اللاجئين الصومالين الى امريكا مما شجع الصوماليين على عودة قد توصف بهجرة عكسية من الغرب إلى بعض البلدان وعلى رأسها كينيا التي ربما كانت يوما ما معبرا أو سكنا لأهله لجواء او إقامة أووطنا.
الدور الأول : الفوئد الاجتماعية والاقتصادية المجنية من المهاجرين الصوموليين إلى كينيا
من المجالات التي استفاد المجتمع الكيني من انهيار الصومال ما يلي:
المجال الاجتماعي “الدعوة الإسلامية والتعليم الشرعي”
على الرغم من أن الدعوة الإسلامية قد وصلت إلى كينيا على لسان الدعاة التجار القادمين من شبه الجزيرة العربية؛ وذلك في وقت مبكر عن مقدم الصوماليين؛ إلا أن الصوماليين لعبوا دورا مهما في تبليغ الدعوة الإسلامية ونشر العلوم الشرعية في ربوع البلاد؛ وذلك منذ أن وطأت أقدامهم على اراضي كينيا سواء كانو مهاجرين أو مواطنين أو لاجئين.
ومن الظواهر الدعوية الإيجابية المصاحبة لمقدم الصوماليين إلى كينيا بعد الانهيار:
إنتشار كتاتيب القرآن ومدارس تحفيظ القرآن الكريم ودروس الحلقات في المساجد والزوايا والمعاهد – رفع المساجد وعمارتها بناءا وذكرا – شيوع حجاب المرأة المسلمة في التعليم والعمل وحضورها الدعوي مع شقيقها الرجل – الإنفاق الخيري للعمل الإنساني وتأسيس المدارس العربية الإسلامية – التعريف بالإسلام ودعوة غير المسلمين؛ علما بأن كينيا بلاد خصبة للدعوة لما يتمتع به المجتمع الكيني من نظرة إيجابية مسبقة عن الإسلام والمسلمين.
المجال الاقتصادي ” العمالة والتجارة”
من المجالات التي استفاد منها الكينيون من انهيار الصومال فرصة توفير العمالة الداخلية والخارجية:
من العمالة الداخلية: العمالة المنزلية ومنها: عاملات المنازل التي بلغ وجودها في البيت الصومالي في نيروبي إلى حد الضرورة والحارس الأمني للبيوت والإسكان والمجمعات التجارية. ومنها عمال البناء والمهن من المهندس إلى السباك؛ وذلك في مناطق مثل نيروبي لا يهدأ عمل البناء على مدار اليوم والشهر والسنة. ومنها عمال الطهي والنادلون وعاملات النظافة في الفنادق والمطاعم والمجمعات التجارية
والعمالة الخارجية : وعلى رأسها العمالة الكينية المحترفة التي تستقدم إلى شتى الولايات الصومالية بما فيها أرض الصومال والعاصمة مقديشو؛ وذلك لمزاولة المهن الاحترافية التي تتطلب التدريب العالي كالتعليم والفندقة والبناء وغيرها..
والعمالة العسكرية : من المجالات التي استفادت كينيا من انهيار الصومال وجود القوات الكينية المشاركة ضمن برنامج قوات حفظ السلام الإفريقية” اتمس” والذي يدر أموالا عينية ونقدية على الكينيين أفردا ومجتمعا وحكومة
ومن مجال تجارة العقار : من المجلات التجارية التي استفادت منها كينيا من انهيار الصومال مجال العقار الذي يرغب فيه الصومالي لحد المتيم سواء في عقود شراء الأرض أو استأجرها وشراء المنازل واستئجارها أوتمليك الشقق والغرف المفروشة والإيجار المنتهي بالتمليك.
ومن المجالات التجارية التي أفادت منها كينيا من انهيار الصومال مجال الطب والاستشفاء والمحاماة والتمويل البنكي والضرائب والتأشيرات والاستثمار في التعليم والتجارة الموسمية في الحج والعمرة والأضحية وسوق موسم شهر رمضان ، ومنها البعثات الدولية الموجودة في كينيا ذات العلاقة بالصومال والتي تنفق أموالا طائلة في برامج الهجرة والإغاثة وتنظيم مؤتمرات المصالحة الصومالية داخل كينيا _في السكن وحتى استأجار معسكرات اللاجئين والدعم الوجستي والنقل والضرائب وغيرها.
الدور الثالث: دور المرأة الصومالية في كينيا بتنمية المجتمع منذ اندلاع الحرب الأهلية في الصومال وتفرق المجتمع الصومالي إلى أنحاء العالم والى كينيا بشكل خاص، قامت المرأة الصومالية بدور بارز في شتى المجالات؛ وحلت الأم محل الأب عند كثير من عائلات النازحين من ديارهم، بعد فقدان آبائهم في الحرب الأهلية أوبعدهم عن مسقط رأسهم ومسكن قومهم، مع ظهور عدد كبير من الأيتام أو شبه الأيتام من المشردين وأبناء المطلقات.
ومن هنا برز دور المرأة الصومالية في تنمية المجتمع في بلد الأم وفي المهجر عامة وفي كينيا على وجه خاص.
ومن أهم أدوار المرأة الصومالية في تنمية المجتمع في المهجر: دورها في التماسك الأسري:
للمرأة الصومالية دور بارز في الحفاظ على التماسك الأسري قبل الأزمة الصومالية وأثنائها وعلى الصعيدين الداخل والخارج :-
دور المرأة الصومالية في تنمية المجتمع في وطن الأم اشتهرت المرأة الصومالية في عقر دارها الحفاظ على سمعة بيتها لتنفيذ طاعة زوجها وصيانة كرامة بناتها والذب عن سمعة عائلتها من عمومة أبنائها وأخوالهم؛ فلم تكن تعيس إلا في بيت والدها معززة ومكرمة حتى تغادر إلى مسكنها الجديد وبيت زوجها مع ما كانت تتمتع به من حرية في التصرف والتملك في بيتها ومالها وفق الأعراف الصومالية وثقافتهم المنبقة من تعاليم الدين الحنيف؛ لتسهم في تنمية المجتمع قبل الولد خدمة ورعاية ومشاركة.
دورالمراة الصومالية بمعسكرات اللاجئين في كينيا لجأت المرأة الصومالية إلى معسكرات اللاجئين في شمال شرق كينيا وشرقها، وذاقت المرأة الصومالية مرارة الجوع ومذلة السؤال وكافة المضايقات النفسية والجسدية في معسكرات اللجوء؛ حيث لا أهل ولا مال، فدونت أبنائها لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين U*N*HCR ليجدوا ما يسد رمقهم مع معاناة الفساد المالي والأخلاقي في ظل غياب الزوج الحنون والأب العطوف والأخ العزبز؛ وتجاوزت المرأة الصومالية معظم التحديات التي واجهتها فحافظت على تماسك أسرتها؛ رغم الفاقة الشديدة والعيش بفتات الطعام في مخيمات اللاجئين.
دور المرأة الصومالية في المهجر والشتات. مما يضاف إلى إنجازات المرأة الصومالية في المهجر عموما وفي كينيا خصوصا دورها في تنشئة أبنائها تنشئة اجتماعية إيجابية على مستوى الأسرة الصومالية الممتدة التي تشمل الأجداد وأن علو والأبناء وإن سفلوا؛ وذلك برعاية أبنائها إيواء وتعليما وإنفاقا على مستوى بلد اللجوء في الغرب خاصة، وتربيتهم تربية إسلامية وسط العولمة الفكرية والثقافة الغربية؛ وفي حالة الشعور بالخطورة هاجرت المرأة الصومالية مجددا إلى كينيا لإلحاق أبنائها بكتاتيب القرآن الكريم والمدارس الاسلامية، ولم تنس المرأة الصومالية معاناة أفراد عائلتها الباقين في معسكرات اللاجئين والعالقين بدول المرور والجوار، والقاطنين بالمدن الصومالية والقرى والريف، فقامت رعايتهم بالتحويلات المالية للقيام بشؤونهم اثناء وجودها في المهجر للحد من آثار الحرب الأهلية الاجتماعية منها والنفسية لتوطيد السلم الأهلي وتنمية المجتمع.
دورالمرأة الصومالية في نيروبي
إما في نيروبي فقد أبدعت المرأة الصومالية في كينيا المجالات الاجتماعية؛ وذلك في بناء شخصيتها الذاتية والمالية، وفي مشاركة العملية التعليمية والتعلمية؛ وذلك بتعليم أبنائها وتربيتهم تربية صومالية إسلامية في المدارس الاسلامية الأهلية والمعاهد الشرعية والمدارس الحكومية الكينية والجامعات الوطنية والإسلامية، وأثبتت دورها في خدمة المجتمع اقتصادياً لرفع المعاناة عن الأسر الصومالية الفقيرة ومشاركتها في إغاثة الملهوفين.
أما في المجال الفردي فقد نجحت المرأة الصومالية في كينيا العمل في القطاع الخاص عاملة منزلية وبائعة للشاي والثياب في الأزقة وفي الشوارع؛ وتاجرة محترفة وداعية مربية و قائدة للمؤسسات النسائية والشركات العائلية والاسواق التجارية والبنايات العقارية.
وفي الختام أؤكد أن تلك الإنجازات ليس بسبب قدرات المرأة الصومالية وإنما على غرار قولهم: مكره اخاك لا بطل ..
فلولا عناية الله ولطفه وتوفيقه ثم ما تجده المرأة الصومالية شقيقها الرجل من المساندة رغم حاجتها إلى مضاعفة ذلك – لما تمكنت من القيام بتلك النجاحات والقيام بالأدوار التي رصدنا بعضها على سبيل المثال لا الحصر.