دور الإعلام في تعزيز الهوية الإسلامية

on 29 April 2021, 11:32 PM
أ. د عبد الكريم الوزان
أ. د عبد الكريم الوزان
أستاذ الاعلام في جامعة ابن النفيس ، باحث  في مركز أبابيل للدراسات الاستراتيجية ، صحفي عراقي

من مفاهيم الإعلام أنه التعبير الموضوعي عن عقلية وروح واتجاهات الجماهير في الوقت نفسه ، وهو المرآة العاكسة لتطلعات الجمهور. ويعتمد نجاح الإعلام في تحقيق غاياته الاتصالية – على أكمل وجه- على عوامل مختلفة منها رأس المال والتكنولوجيا والخبرات المهنية ومستوى العاملين القائمين بالاتصال على إيصال رسائلهم الإعلامية للمتلقي والتفاعل معه من خلال التعديل في رجع الصدى لاتمام نجاح العملية الإتصالية . 

أما الهوية الإسلامية فتعني من ضمن ماتعنيه :  ” الإيمان والتصديق بعقيدة الأمّة الإسلاميّة، مع الاعتزاز بالإنتماء الوجداني إليها، واحترام قيمها الحضارية والثقافية، وإظهار الشعائر الإسلاميّة، مع الاعتزاز والتمسك بها، إضافة إلى الشعور بالتميز والاستقلاليّة الفرديّة والجماعيّة “(1) ، وللهوية الإسلامية  مكونات كما بين الباحث الدكتور إبراهيم العبيدي وهي العقيدة الإسلامية والتأريخ والثقافة والأخلاق .

وعلى الرغم من أن الاعلام نشأ مع نشوء المجتمعات البشرية الأولى ، ويمكن رؤية الرسومات التي تركها الإنسان القديم في أماكن سكناه ، قبل عصر الكتابة ، كلإعلام عن الواقع الذي عاشه الإنسان القديم ، فأساطير التوراة تحكي حكايات السبي اليهودي، وكذلك الخروج من مصر وبعض تاريخ الحروبات والغزو في العالم التوراتي القديم وخاصة في بلاد الكنعانيين ، وآثار الفراعنة تروي لنا قصص وديانات تاريخ مصر الفرعونية وحضارتها ؟ وقس على ذلك حضارات وادي الرافدين السومرية والآشورية والبابلية والحضارات الأخرى.  

أما في صدر  الإسلام  فيؤكد المؤلف والباحث المصري د. عبداللطيف حمزة المتخصص في الشأن الإسلامي في استهلال كتابه «الإعلام في صدر الإسلام». أن ظهور الإسلام جعل للإعلام صوراً جديدة لم يعرفها العرب من قبل ، فكانت القصيدة الشعرية ، وإن لم يصبح لها في الإسلام شأن كبير كما كان الحال في الجاهلية ومنها الخطابة والتي أصبح لها في الإسلام شأن أكبر من شأنها في الجاهلية ، ذلك أن الخطابة فن الإقناع وأنها لا تزدهر في عصر من العصور كما تزدهر في عصر الثورات ، ولذلك بلغت الخطابة أوجّها على يد الرسول صلى الله عليه وسلم وأيدي الخلفاء الراشدين من بعده : أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذين كانو مضرب المثل في البلاغة العربية غير القصيدة الشعرية، والخطابة. كما  احتفظ الإسلام بصورة إعلامية أخرى مثل: الأسواق والندوات نظراً لاتصالهما اتصالاً قوياً بحياة الناس في كل زمان ومكان . أما الصور الجديدة للإعلام والتي لم يعرفها العرب من قبل فهي القرآن الكريم، والحديث الشريف، والخطب النبوية، والأذان لإقامة الصلاة، والغزوات، والسرايا الحربية التي كان الرسول والخلفاء، من بعده يقومون بتنظيمها لاستطلاع حال العدو وإعلامه بأن الدين الجديد له من القوة الحربية ما يستطيع بها المحافظة على نفسه في الداخل والخارج. ويضاف إلى ذلك مواسم الحج التي كانت ميداناً كبيراً للإعلام والدعاية للعقيدة الإسلامية(2)..

أما المشكلة أو الإشكالية البحثية فيمكن الإشارة إليها من خلال ماهية دور الإعلام ومدى نجاحه وفق أسس متطورة في تعزيز الهوية الإسلامية ، وكيفية إيجاد خطاب إعلامي  دقيق وواضح لا يجافي الواقع ولا يغالي ويكون بمقدوره تحقيق الاتصال الإقناعي للمتلقي في الداخل والخارج ، وماهي التحديات الثقافية التي تواجه الشباب المسلم في ظل مفاهيم وأساليب معاصرة كالعولمة ؟.

في حين تتمثل الأهمية والأهداف في مقالنا البحثي هذا في “أن الإسلام دين سماوي كبير ” حيث شكل الإسلام ثاني أكبر دين في العالم وفقاً لدراسة أجريت في عام 2015، ذُكر فيها أن تعداد المسلمين  يبلغ 1.8 مليار شخص ويشكلون حوالي 24.1% من سكان العالم ، حسب إحصائية نشرتها موسوعة ويكيبيديا ، وهو يتعرض لحملة شرسة من جهات دولية سياسية مخابراتية تهدف إلى تذويب وطمس الهوية الإسلامية بغية تفتيت وحدة الأمتين الإسلامية والعربية من أجل التفرقة وإضعاف قوة الإيمان وعمل شرخ عقائدي لتنفيذ مآرب استعمارية . وليس أدل على ذلك  من ما أوردته  صحيفة يديعوت أحرونوت:  ” إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من استراتيجية إسرائيل في حربها مع العرب ، هذه الحقيقة هي أننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً ، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد ، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية بأي شكل وبأي أسلوب ولو اقتضى الأمر الإستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش في إخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا”(3)

وبهذا فإننا نهدف إلى حتمية الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية والتعرف على أصولها ومدلولاتها وزيادة رسوخها من خلال الاستخدام الأمثل للإعلام، والإعلام الرقمي  بدرجة عالية من الوعي والإيمان والبصيرة الثاقبة ، فقوة الأمتين من قوة المكانة الكبيرة للإسلام وشموخ هويته العريقة .

وهذا الموضوع ليس بالجديد فقد تناولته دراسات علمية سابقة منها:

1-  دراسة متولي، نبيل عبدالحليم (1990): بعنوان “أخطار الأيديولوجية الصهيونية والأيديولوجيات الأخرى على المجتمع العربي الإسلامي”

هدفت الدراسة إلى بيان بعض السلبيات التي تركها الصراع الأيديولوجي العالمي في أفكار واتجاهات وقيم أبناء المجتمع العربي والإسلامي، كما هدفت الدراسة إلى قياس تمسك طلاب جامعتي أم درمان والخرطوم بالقيم الإسلامية.

2-  دراسة  صالح، سامية خضر (1991): بعنوان “الشباب الجامعي بين الأمية الثقافية والفراغ الأيديولوجي”. دراسة تطبيقية على عينة من طلاب وطالبات جامعة عين شمس، هدفت الدراسة إلى التعرف على معتقدات الشباب الجامعي واتجاهاته ومحتوى فكره ومدى استيعابه لمراحل تاريخية الشخصيات المؤثرة فيه.

 3- دراسة أحمد (1992): بعنوان “تربية الأولاد والأبناء في الإسلام، حقوق الأبناء  على الآباء ومضامينها التربوية في الإسلام.”. هدفت الدراسة إلى تحديد واجبات الآباء تجاه أبنائهم في الإسلام بمصدريه القرآن والسنة، في جوانب التربية الجسمية والاجتماعية والانفعالية والعقلية والإيمانية. وتمت مناقشة هذه الجوانب في المراحل العمرية التالية: ما قبل الإنجاب، ما قبل المدرسة الابتدائية، والمراهقة(4).

ومن هنا نستنتج  أن هناك مخططات ومساعي ترمي إلى تشتيت وحدة العرب والمسلمين وضرب ركائز الأمة من قِبل أعداء الأمتين ، ولابد لنا من تعزيز هويتنا الإسلامية من خلال محاربة التضليل الذي يعد أحد أساليب الدعاية والحرب النفسية وجزء من الحرب الإعلامية ، كونه يمتاز بنشر وبث المعلومات والأفكار المغلوطة عن عمد وسابق تصور وتصميم لخلق واقع مزيف ومغلوط  مما يتطلب قيامنا باستخدام  وسائل إعلام وإعلام رقمي وبرامج اتصال حديثة والاستعانة بكوادر مدربة جيداً وفق بروباغاندا مؤدلجة وممنهجة  .

كما نستنتج من كل ذلك ، أن ما يهدد هويّة الأمة يكون بالتركيز على ضرب مقوماتها، وذلك بضرب عقيدتها، وتشويه تاريخها، وإضعاف لغتها، وسلخها من كلّ أصولها التي تنتمي إليها، وذلك بسلوك طرق واضحة ومدروسة بعناية،  حيث ” يقول أحد المستشرقين في سياق ضرب أمتنا وهويَّتها الأخلاقيّة: (كأس وغانية يفعلان في الأمَّة المحمديَّة فعل ألف مدفع ونيِّف) فكان هذا لإدراك الأثر الذي يحدثه تدني الأخلاق في الأمَّة وانحطاطها، وللحفاظ على هويّة الأمّة قويّة، لا بدَّ من إحداث يقظة شاملة، وترسيخ لكلّ مقوّمات الهويّة، وتعزيزها وحمايتها، وهذه مسؤوليّة فرديّة وجماعيّة على حد سواء، فمسؤوليّة الفرد بالالتزام، والتبليغ، والبحث، والتنقيب، ومسؤوليّة المجتمع من خلال عدة أمور منها الإعلام، والنظم التربويّة، والسياسيّة، والتعليميَّة، ذلك أنّ الهويّة إنّما تعبّر عن وجود الأمّة، وكيانها، وحاضرها، ومستقبلها” (5).

وفي ضوء ماورد نوصي بالآتي :-

1-إيلاء أهمية لوسائل الإعلام ومراقبة عملها والاهتمام باختيار عناصر إعلامية كفوءة وواعية ومؤمنة لا تتوانى في الدفاع عن قيم ومعاني الإسلام الحنيف ولاتخشى في حق الدين لومة لائم ، وأن يكون لديها خطاب إعلامي دقيق وواضح لا يجافي الواقع ولا يغالي بحيث يضعف هويتنا الإسلامية ، وتخصيص مساحة  أكثر في وسائل الإعلام والتربية المحلية لتعزيز القيم والمعايير والتقاليد العربية والإسلامية التي تساعد على تحصين الإنسان المسلم في المنطقة من تأثيرات المد الأجنبي غير الملائم.

2- التزام الحكومات العربية والإسلامية  في السعي لتعزيز الهوية الإسلامية من خلال توحيد الجهود الدبلوماسية وإقامة المؤتمرات والندوات وحث السفارات والمنظمات في الخارج و المبتعثين من الطلاب والمكلفين بمهام ودورات حيث يمثل هؤلاء وسائل وأدوات إعلامية للتعريف والحفاظ على هويتهم الإسلامية  وتفعيل كل مايتعلق بالهوية الإسلامية .

3-توحيد المناهج الإسلامية في كل المراحل الدراسية بما يتماشى مع أصول الدين الحنيف بمنأى عن الاجتهاد الدخيل والتحديث ( المفخخ )  والتأثيرات السياسية والمذهبية والعرقية في أي بلد كان .

4- حث المنظمات الاجتماعية و منظمات المجتمع المدني ورجال الدين على تشذيب كل ما لصق وعلق بالإسلام عبر مراحل معينة أو في ظروف مختلفة ، وتقديم الإسلام بروحه الأصيلة ديناً للود والتسامح والتعاون ، إلى جانب توعية الأسر للقيام بواجباتها تجاه مانحن بصدده .

5-مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الاتصال وخاصة لدى الشباب بشكل قانوني وعادل بعيداً عن استغلال ذلك لتحقيق  مآرب إستخبارية خاصة  ، من أجل خلق حصانة فكرية لهم ضد وسائل الحرب النفسية وحرب المعلومات من قبل جهات غربية نافذة تمتلك مقومات التكنولوجيا ولها تحالفات دولية إستعمارية طامعة.

6-تعزيز الوحدة الوطنية والحفاظ على العادات والتقاليد الحميدة ووأد الطائفية والضغائن والفتن وعدم إعلاء المذهب على حساب الدين الواحد. 

7-الاهتمام بالتأريخ والإعلام كعنصرين متلازمين متفاعلين أحدهما يعول على الآخر في إثبات وإظهار الحقائق والتصدي لكل ما يهدد هوية الأمة الإسلامية .

المصادر

1-    إبراهيم العبيدي ، مفهوم الهوية الإسلامية ، موضوع ، 21 نوفمبر 2016

2-    الإعلام في صدر الاسلام ، صحيفة البيان ، 21 نوفمبر 2005

  2016 

3- صراع الهويات وخصائص الهوية الإسلامية ، إسلام ويب ، 12-5-2004

4- عزيزة عبد العزيز علي ، دور المرأة في تعزيز الثقافة الإسلامية لدى أبنائها في ظل تحديات العولمة ، بحث مقدم إلى مؤتمر” الإسلام والتحديات المعاصرة ” ، أبريل/ 2007

5- إبراهيم العبيدي ، مفهوم الهوية الإسلامية ، http://whoyiah.com/topics/s-6 ،14 ابريل 2021