المقال منشور ضمن العدد رقم 105 من دورية “الملف المصري” الإليكترونية، مايو 2023.
في خضم التطورات المتسارعة التي يشهدها عالمنا الحالي بسبب الثورة الصناعية الرابعة وتطورات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، بات من الجلي الآن أننا بصدد ثورة جديدة تؤثر على كافة جوانب حياتنا بدءًا من أجهزة الاستخدام الشخصي التي تعرف كثيرًا عن تفضيلاتنا الشخصية من خلال طبيعة عملها، وحتى الطائرات بدون طيار والأسلحة الذكية التي ستغير يوما ما من طبيعة الحروب التقليدية والجيوش النظامية بل قد تتعداها إلى تغيير خريطة التحالفات وميزان القوى الدولي. ومن ثم، تفرض هذه التطورات التي أحدثتها تقنيات الذكاء الاصطناعي في بنية الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والإنسانية بشكل عام، الوقوف على خصائص هذه التقنيات ومجالاتها وتطبيقات استخدامها، وأهم الفاعلين والمطورين المؤثرين في صناعة هذا المجال، مع مناقشة إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي، وكذلك تقديم رؤية استشرافية حول انعكاساته على مستقبل البشرية، وهو ما تتعرض له هذه المقالة بالتحليل.
أولًا: مجالات الثورة الصناعية الرابعة
بدأ استخدام مصطلح الثورة الصناعية الرابعة منذ عام 2016، وتحديدًا من قبل «كلاوس شواب» مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد سنويًا في سويسرا، فوفقًا لتعريفه، اعتبر «شواب» أن الثورة الصناعية الرابعة هي حالة من تلاشي الخطوط الفاصلة بين التطورات الحادثة في المجالات المادية والرقمية والبيولوجية، فهي ليست كمثل الثورات الصناعية السابقة من حيث التأثير على الإنتاج الإنساني وجودته بل تتعدى ذلك لتؤثر على مختلف نواحي الحياة.
يشير مصطلح الثورة الصناعية إلى تحول الاقتصاد العالمي من الاعتماد على الزراعة إلى الاعتماد على الصناعة، حيث الإنتاج القائم في أغلبه على الآلات مما أدى الى تطور وزيادة سرعة عجلة الإنتاج، كما أدى إلى انخفاض الأسعار نتيجة زيادة المعروض وانخفاض تكاليف الإنتاج. وجاءت الثورة الصناعية الأولى في ستينيات القرن الثامن عشر بالنفع على القطاع الزراعي بسبب استخدام الآلة البخارية الأمر الذي أدى إلى رفع معدل الإنتاج، وبالتالي رفع مستوى معيشة البشر. ومن بعدها جاءت الثورة الصناعية الثانية امتدادًا للثورة الصناعية الأولى بنهاية القرن التاسع عشر متمثلة في ظهور الكهرباء والمحركات القابلة للاحتراق واستغلال هذه الاختراعات في تدوير الموارد الطبيعية والصناعية والطاقات المتجددة. وبذلك ظهر ما يعرف اصطلاحًا بـ«المصنع الآلي». ولأتمتة إنتاج هذا المصنع ظهرت تقنيات جديدة تتم باستخدام الحاسوب بدأت في عام 1969 أي بنهاية القرن الماضي فيما عُرف بالثورة الصناعية الثالثة، والتي تميزت بإدخال الحواسيب في كافة مجالات الحياة من الاتصالات والتعليم والتى لم يقُصر استخدامها على الإنتاج والتصنيع فقط.
أما بالنسبة للثورة الصناعية الرابعة، فنتيجة للتوافر الواسع للتقنيات الرقمية التي أوجدتها الثورة الصناعية الثالثة، حدث توالٍ وتتابع في الابتكارات التكنولوجية والرقمية بشكل فيه مزيج من التداخلات التقنية التي تتفاعل مع بعضها البعض من خلال الخوارزميات المبتكرة لتنتج بذلك تقنيات الثورة الصناعية الرابعة التي من أهمها: الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والبيانات الضخمة، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمية، والمركبات ذاتية القيادة، والأمن السيبراني، وغيرها.
لذلك فإنه على غرار الثورات الصناعية السابقة، يجب على العالم الآن أن يدرك أهمية الاستثمار في الإنسان وتزويده ما يكفيه من العلوم والمهارات ليستطيع الاستجابة لمتغيرات العالم وتحولاته التكنولوجية المتسارعة. فوفقًا لتقرير مستقبل العمل والوظائف الصادر عام 2020 عن مستقبل الوظائف فى الفترة من 2020 وحتى 2025، فإن ما يقرب من 85 مليون وظيفة حالية يتوقع الاستغناء عنها في مقابل ظهور 97 مليون وظيفة جديدة بحلول 2025 لتلبية متطلبات سوق العمل المستقبلية في ظل التطورات التقنية التي يشهدها العالم في وقتنا الراهن.
ثانيًا: تقنيات الذكاء الاصطناعي.. المجالات والخصائص والفاعلون
تعود بدايات تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى النصف الثاني من القرن العشرين، ويمكننا تقسيم تاريخ تطوره إلى ثلاث مراحل تبدأ المرحلة الأولى من عام 1940 وحتى عام 1960، والتي استخدم فيها الباحثون التحويلات الرياضية لإنشاء أنظمة قادرة على تحليل البيانات واتخاذ القرارات. وفي عام 1956، انعقد مؤتمر في دارتموث (الولايات المتحدة الأمريكية)، حيث قام جون مكارثي ومجموعة من العلماء بصياغة وإطلاق مفهوم الذكاء الاصطناعي، والبدء في إنشاء برامج تستخدم التحليل الرياضي للبيانات. توصف المرحلة التالية بـ«الشبكات العصبونية»، والتي استمرت منذ عام 1960 وحتى عام 2000. وفيها بدأ العلماء في دراسة الطرق التي يعمل بها الدماغ البشري، وبناء النماذج الحاسوبية المستوحاه من هذه العمليات.
وفي عام 1980، قام العالم الأمريكي «ديفيد رميلهارت» بتطوير مفهوم «الشبكات العصبونية»، التي تعتبر الآن من أهم التقنيات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي. وفي هذه المرحلة، بدأت التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في الظهور، مثل برامج الترجمة الآلية ونظم التحكم في الصناعة، انتهاءً بما نعيشه الآن، وهي المرحلة التي تشهد بداية تطور تقنيات جديدة مثل التعلم العميق وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية، والتعرف على الصوت والصورة بفضل التطورات في مجال المعالجة الحاسوبية وتطور الشبكات العصبونية وتقنيات التعلم العميق. ومن بعدها أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي أكثر تطورًا وتنوعًا أكثر من أي وقت مضى، وبدأت التطبيقات الشاملة للذكاء الاصطناعي تنتشر في مختلف المجالات، مثل التحليل الضخم للبيانات، والمركبات ذاتية القيادة، وتحليل الصور الطبية، والتعرف على الكلام، والترجمة الآلية، والتحكم في الروبوتات، وتطبيقات الأمن السيبراني، والتجارة الإلكترونية، وغيرها.وفيما يلي يمكن مناقشة مجالات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وأبرز خصائصه، والفاعلون الرئيسيون في هذا المجال.
1 – مجالات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي
يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على معالجة البيانات وتحليلها باستخدام تقنيات الحوسبة الحديثة والتعلم الآلي، وتطبيقها على العديد من المجالات الحيوية والصناعية، ومن هذه المجالات: التطبيقات الطبية؛ حيث يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تصوير الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي لتسريع عمليات تشخيص الأمراض وتحسين دقتها. ويمكنه أيضًا مساعدة الأطباء في التشخيص والعلاج، كما يمكنه مساعدة المرضى في مراقبة ومتابعة حالاتهم الصحية.
يستخدم الذكاء الاصطناعي أيضًا من قبل الدول في تطوير تقنيات الأمن والحماية من الهجمات الإلكترونية، والكشف عن الأنشطة غير الطبيعية والتهديدات الأمنية المحتملة، وتوفير حماية أفضل للبيانات الأمنية الحساسة.
وفي مجال التمويل، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الاستثمار وإدارة المخاطر، والتنبؤ بالأسعار والتغيرات في السوق. كما يستخدم أيضًا في التحليل النفسي للمستثمرين، لفهم العوامل التي تؤثر في قراراتهم، وفي مجال الأعمال. بالإضافة إلى تحليل البيانات والسوق، وتوفير التوصيات للعملاء والمستخدمين، وتحسين تجربة المستخدم. كما يستخدم أيضًا في تحليل النصوص وفهم اللغة الطبيعية، وتطوير الروبوتات والأتمتة الذكية لتحسين الإنتاجية والكفاءة.
إضافة إلى ما سبق، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى منها التعليم وأعمال التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية، من خلال توفير التوصيات الشخصية للعملاء وتحليل سلوكياتهم وتوجيه الإعلانات إلى الفئات الأكثر اهتماما. وفي التعليم، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات وتحديد الطلاب الذين يحتاجون إلى دعم إضافي أو تحسين الأساليب التعليمية. هذا فضلاً عن الاستخدامات الأخرى الممكنة للذكاء الاصطناعي في مجالات الأمن والدفاع، والزراعة والبيئة، حيث يمكن استخدامه للتنبؤ بحالة الطقس وتحسين إدارة الموارد الطبيعية.
ويشمل الذكاء الاصطناعي العديد من التقنيات والمفاهيم الأساسية مثل تعلم الآلة وتحليل البيانات والشبكات العصبية والتعرف على الصوت والصورة واللغة الطبيعية، وغيرها الكثير من التقنيات الحديثة والمتطورة. كما تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي أيضًا في تطوير صناعة السيارات، حيث تقنيات القيادة الذاتية. بالإضافة إلى تحليل بيانات الاستشعار المختلفة، مثل الرادار والكاميرات، وتطبيقها على السيارات لجعلها أكثر ذكاءً وأمانًا.
ومن المؤكد أن تكون لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أثر كبير في سوق العمل واقتصادات البلدان؛ حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف، وبالتالي زيادة الربحية وتوفير المزيد من الوظائف المتخصصة. ومع ذلك، يجب على الحكومات والشركات اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق التوازن بين تطور التكنولوجيا والمصالح الاجتماعية والبيئية. وبالإضافة إلى ذلك، يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي توفر كميات هائلة من البيانات، وهو ما يشير إلى الحاجة إلى إجراءات أكثر صرامة لحماية خصوصية المستخدمين. كما يجب على الشركات والمؤسسات الالتزام بأعلى معايير الأمان والخصوصية، وتوفير الشفافية حول كيفية استخدام البيانات.
2 – خصائص تقنيات الذكاء الاصطناعي
تعتبر واحدة من أكثر التقنيات تطورًا وانتشارًا في العالم؛ حيث يمكن استخدامها في مختلف المجالات مثل الصناعة والتجارة والطب والترفيه والتعليم وغيرها. وتتميز بعدة خصائص، من أهمها: القدرة على التعلم الذاتي، وتحسين الأداء مع مرور الوقت، حيث يتم استخدام البيانات والخوارزميات واستخلاص الأنماط، والتفاعل والتواصل مع البيئة المحيطة به، مما يجعله قادرًا على تحسين الأداء في مختلف المجالات.
إضافة إلى ما سبق، تمتاز تقنيات الذكاء الاصطناعي بالقدرة على التعلم والتكيف، من خلال الخوارزميات المستخدمة في تطوير هذه التقنيات، حيث يتمكن الحاسوب من استخراج النماذج والقواعد المنطقية من البيانات. ومن ثم يستطيع تطبيق هذه القواعد على بيانات جديدة، وبهذا يمكن للنظام الاصطناعي التكيف مع بيئته وتحسين أدائه مع مرور الوقت. كما تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي التعامل مع البيانات الكبيرة والمتنوعة، فمع تزايد حجم البيانات المتاحة، أصبح من الصعب على البشر التعامل مع هذه الكمية الهائلة من البيانات. وهنا يأتي دور تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تستطيع معالجة هذه البيانات بكفاءة ودقة عالية، وذلك باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية الـ NLP) Natural Language Processing)، وبالتالي تتعزز القدرة على اتخاذ القرارات بناءً على البيانات، حيث يتعامل النظام الاصطناعي مع البيانات، بشكل أكثر دقة وسرعة من البشر.
لذلك يمكننا القول بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تعد مثالية للتطبيقات التي تتطلب معالجة كميات ضخمة من البيانات، وتحليل المعلومات المعقدة بسرعة ودقة. كما إنها لديها القدرة على التكيف مع بيئة جديدة، واستخراج النماذج والتنبؤات من البيانات، بالإضافة إلى القدرة على التفاعل مع البيئة بشكل ذكي. وعلى الرغم من أن هذه التقنيات مازالت في مراحلها الأولى من التطور، وتعاني من بعض القيود والتحديات، إلا أنها تظل واعدة جدًا في مجالات متعددة مثل التجارة الإلكترونية، والرعاية الصحية، والتحليل الاجتماعي، والسياسة العامة، والصناعة وغيرها.
3 – الفاعلون في مجال الذكاء الاصطناعي
تعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واحدة من أكثر التقنيات انتشارًا في القرن الحادي والعشرين، وتؤثر على جميع جوانب الحياة اليومية وبيئة الأعمال وسياسات الحكومة. ونتيجة لذلك يوجد عدة فاعلين رئيسيين يشاركون في تطوير وتعزيز تقنيات هذا المجال، ومن أهمهم الشركات التقنية الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي التي تتصدر قائمة مطوري هذا المجال حيث تعمل شركات مثل جوجل وأمازون وفيسبوك ومايكروسوفت وأبل على ابتكار وتطوير التقنيات والأدوات اللازمة للذكاء الاصطناعي وتكوين فرق عمل خاصة بالبحث والتطوير.
كما تلعب الشركات الناشئة وشركات الروبوت التي تقوم بتطوير أدوات لمشكلات بعينها مثل الروبوتات الطبية والمساعد الشخصي الذكي، وروبوت التعلم الآلي، وروبوت التنبؤ بالمخاطر، والروبوتات المنزلية، والروبوتات العسكرية، ومن بين هذه الشركات: بوسطن ديناميكس، وiRobot، وKuka، وAdept Technology.
لا يقتصر الأمر على الشركات بكل فئاتها وحسب، بل يمتد إلى الحكومات التي تدرك جيدًا الآثار المحتملة لتطور الذكاء الاصطناعي على المجتمعات والاقتصادات. وبالتالي تقوم بالاستثمار في البحث والتطوير وتنظيم هذه التقنية وتشجيع التعاون الدولي، كما تقوم المؤسسات الأكاديمية بدور مهم في تطوير هذه التقنيات من خلال البحث والتعليم وتدريب الخبراء والتوصل إلى التقنيات الجديدة وإعادة نشرها. ومن الجامعات الرائدة في تطوير تلك التقنيات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، وجامعة ستانفورد.
وهنا يجب الإشارة أيضًا إلى أن الفاعلين الرئيسيين في مجال الذكاء الاصطناعي ليسوا محدودين فقط على الجوانب التقنية والاقتصادية، وإنما يشملون أيضًا جوانب أخرى مثل الأخلاق والقانون والسياسة. فمن المهم تعزيز الوعي بأن استخدام التقنيات الذكية يجب أن يتم بمسئولية والتزام بالأخلاق والمبادئ الأخرى التي تساعد على الحفاظ على حقوق وحريات المستخدمين وتجنب أي آثار سلبية على المجتمعات.
وأخيرًا، فإن الفاعل الأهم بين هؤلاء فهم المستخدمون الذين لهم دور مهم في عمليات الطلب على تلك التطبيقات والأجهزة الذكية التي تستخدم التعلم الآلي وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يدفع الشركات إلى تحسين وتطوير هذه التقنيات وجعلها أكثر فعالية، وفائدة للمستخدمين.
ثالثًا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين
يكثر الحديث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الروبوتات والسيارات ذاتية القيادة، وما إلى ذلك من المجالات العلمية المتقدمة نسبيًا. لذلك وبالتبعية يتوقع البعض أن هذه التقنيات لا تتداخل ولا تؤثر على حياتنا اليومية، ولكننا في حقيقة الأمر نواجه جميعًا تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل شبه يومي بدايةً من لحظة استيقاظنا والنظر في هواتفنا الذكية وحتى الأفلام والمحتوى المرشح لنا مشاهدته نتيجة عمل هذه التقنيات على تفضيلاتنا الشخصية والمعرفية. لن يتوقف الأمر عند هذا الحد بل من المتوقع أن يتداخل الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر في حياتنا، فوفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة «Statista» وجدت أنه من المقرر أن ينمو حجم سوق الذكاء الاصطناعي بنسبة قد تصل إلى 54 % سنويًا، وهو ما يدعونا إلى التفكير في حجم وفعالية هذه التطبيقات على حياتنا اليومية، وما هي المميزات التي قد تعود علينا بالنفع؟، وما هي العيوب التي من شأنها أن تؤثر علينا سلبًا؟.
1 – إيجابيات الذكاء الاصطناعي
بات من الجلي الآن أن برامج الذكاء الاصطناعي تتمتع بقدرة كبيرة على التفكير والتعلم الذاتي، لذلك يمكننا القول بأن أي برنامج يستطيع أن يؤدي مهام الإنسان إنما يعتبر ذكاءً اصطناعيًا، لذلك فإن مميزات الذكاء الاصطناعي تظهر بوضوح في أنه يستطيع أن يقلل من حدوث الأخطاء البشرية، إذ أنه يتخذ القرارات في كل خطوة بناء على مجموعة من الخوارزميات والمعلومات التي تم جمعها مسبقًا؛ لذلك قد يرى البعض أن نسبة الخطأ ضئيلة جدًا.
ونظرًا لبنية الآلات المعدنية المقاومة للتأثر بالمخاطر الطبيعية التى لا يستطيع الإنسان العادي تحملها، فقد تظهر ميزة أخرى في استخدام الذكاء الاصطناعي في الأعمال الخطرة التي قد تودي بحياة الإنسان مثل: نزع فتيلة قنبلة أو رحلات استكشاف الفضاء في أجزاء غير معلومة منه أو التنقيب عن الفحم والنفط أو الذهاب إلى أعمق أجزاء من المحيطات. وهو ما يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام به بدقة وسهولة بالنيابة عن الإنسان؛ فعلى سبيل المثال، في عام 1986 في انفجار محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا، كان من الممكن أن يتم الحد من آثار الإشعاع من خلال التحكم في الحريق في المراحل الأولى منه.
ليس هذا فحسب، بل إن الأمر يتعلق أيضًا بالإنتاجية، فقد خلصت الدراسات إلى أن متوسط إنتاج الإنسان في اليوم لا يتعدى الـ4 ساعات، لكن الذكاء الاصطناعي يمكنه العمل بلا كلل وبدون فترات راحة؛ إذ يستطيع القيام بمهام متعددة في وقت واحد وبنتائج دقيقة بمساعدة الخوارزميات الخاصة به، وهو ما سيصبح أكثر فعالية إذا ما تم تطبيقه على نطاق واسع وخصوصًا في الأعمال الروتينية التي قد تستغرق وقتًا طويلًا مقارنة بأداء الذكاء الاصطناعي تجاهها. فمثلًا يمكننا تسريع عملية فحص المستندات للموافقة على القروض في البنوك من خلال تطوير تقنية «AI Cognitive Automation»، وهي التي تعمل على التحقق من المستندات لصالح العملاء ومالكي البنوك. ومن ناحية أخرى سيتم التخلص من المهام الوظيفية المملة لدى البعض بما يعطيهم الفرصة ليعملوا على تطوير قدراتهم المعرفية والنقدية والعمل في وظائف تحتاج إلى التفكير والتحليل النقدي والإبداع.
ومن الوظائف الأخرى التي قد يتم إلغاؤها بمرور الوقت هم المساعدون البشريون؛ حيث يتم استبدالهم الآن في العديد من المؤسسات الكبرى بالمساعدين الرقميين لتلقي الشكاوى ومساعدة العملاء من خلال الدخول معهم في محادثات تجعل من الصعب علينا معرفة ما إذا كنا نتحدث مع إنسان أم أنه مجرد روبوت محادثة. ونتيجة لخلو هذه التقنيات من المشاعر وقيام برمجياتها في أغلب الأحيان على المعلومات المحددة، فإن النتائج عادة ما تجيء دقيقة وغير متحيزة.
أضف إلى ما سبق، فإن حياتنا اليومية أضحت تعتمد بشكل كبير على استخدام العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ حيث نستخدم خرائط Google، Alexa، Siri، Cortana، OK Google، والكثير من برامج التقاط صور السيلفي وإجراء المكالمات والرد على رسائل البريد الإلكتروني، وبرامج التنبؤ بالطقس، وكل هذه الأمثلة تُعد فقط على سبيل المثال لا الحصر.
2 – سلبيات الذكاء الاصطناعي
على الرغم من الفوائد العديدة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، فإنها تواجه العديد من السلبيات والتحديات الأخلاقية والأمنية التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار، والتي من بينها احتمالية حدوث الأخطاء والتحيز في القرارات التي يتخذها النظام الذكي. إذ يمكن أن يؤدي تحيز البيانات المستخدمة في تدريب النماذج الذكية إلى إنتاج توقعات خاطئة وقرارات متحيزة؛ على سبيل المثال، قد يتعرض الأشخاص من خلفيات معينة لمزيد من التحيز في التوظيف أو المنح الدراسية بسبب تحليل البيانات الذي تقوم به النظم الذكية.
توجد أيضًا مخاطر أخلاقية متعلقة بالاستخدام السيئ للذكاء الاصطناعي، إذ أن الاستخدام السيئ له قد يؤدي إلى انتهاكات في خصوصية المستخدمين، واستخدام البيانات بشكل غير مشروع، وزيادة تحكم الحكومات في الأفراد. ومن المخاطر الأمنية المتعلقة باستخدامات الذكاء الاصطناعي هو إمكانية استخدامها من قبل القراصنة والمتسللين والدخول على البيانات أو التلاعب بها، والاستفادة من الثغرات الأمنية في تلك النظم الذكية لاستخدامها في أغراض خبيثة، لذلك يجب مراعاة هذه السلبيات ومحاولة إيجاد حلول لها في عمليات تطوير واستخدام التقنيات الذكية من خلال تطوير إطار عمل أخلاقي وقواعد أخلاقية لتوجيه استخدام الذكاء الاصطناعي، وتوعية المستخدمين والمطورين بشأن السلبيات والمخاطر المحتملة للتقنية.
ومن سلبيات الذكاء الاصطناعي أيضًا هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على تطويره، فمنذ عام 2007، اشترت Google ما لا يقل عن 30 شركة ذكاء اصطناعي تعمل في كل شيء بدءًا من التعرف على الصور، وحتى الحواسيب ذات الصوت البشري، مما أدى إلى احتكار ضخم لتلك التقنيات. وفي عام 2016، أنفقت Google و Apple و Facebook و Microsoft و Amazon جنبًا إلى جنب مع اللاعبين الصينيين العملاقين ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي ما يقدر بنحو 39 مليار دولار على عمليات البحث والتطوير والاستحواذ المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. لذلك فإن استحواذ الشركات الضخمة على الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم إنما يعد أمرًا خطيرًا، نظرا لأنها قد تلعب دورًا كبيرًا في تحديد اتجاه العالم كله من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
رابعًا: العالم إلى أين؟
فاز ديب بلو Deep Blue حاسوب شركة IBM بمباراة شطرنج حيث تمكن من هزيمة بطل العالم في اللعبة في عام 1997. وفي عام 2002 ظهر رومبا Roomba وهو إنسان آلي يقوم بجميع الأعمال المنزلية بإدارة نفسه بنفسه، وطورت «سيري» Siri من قبل آيفون، وتكتسب يوميًا قدرات جديدة. وتم تشغيل تاكسي بلا سائق من قبل شركة وايمو الأمريكية. وفي عام 2017 حصلت «صوفيا» -من الآليين المحاكين لشكل الإنسان- على الجنسية السعودية لتصبح أول إنسان آلي يحصل على صفة قانونية في التاريخ.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن استيعاب العالم للتطورات المتلاحقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبح مشوبًا بالشكوك، وتعالت حالة عدم اليقين بشأن شكل الحياة التي قد يصبح عليها غير المجهزين لاستقبال تلك المتغيرات. والمقصود هنا هؤلاء الذين يعملون في وظائف روتينية ويسهل استبدالهم، فوفقًا لمنظمة أوكسفورد ايكونوميكس للتحليلات الاقتصادية، فإن الروبوتات ستستطيع تولي أكثر من 20 مليون وظيفة في مجال التصنيع بحلول عام 2030. وقد بدأت بوادر هذه التوقعات في الحدوث فعليًا؛ ففي نوفمبر 2022 وبعدما أطلقت شركة open AI تقنية (Chat GPT)، والتي تستطيع كتابة المقالات الأكاديمية والبحثية بشكل فريد، وبالاستناد إلى مصادر علمية محكمة، وهو ما اعتبره العالم مؤخرًا طفرة تكنولوجية ضخمة، وأصبح عدد المستخمين أكثر من مليون مستخدم في غضون أيام معدودة.
أطلقت open AI في مارس الماضي Chat GPT- 4، والذي يقوم بمهام أكثر تطورًا وأكثر ذكاءً، فتستطيع هذه الأداة كتابة الأكواد البرمجية وتصميم المواقع الإلكترونية، وتصميم الصور بدقة يصعب معها معرفة إذا ما كانت مرسومة ومصممة من قبل إنسان أم من صنع آلة. وهو ما أثار قلق المبرمجين والمطورين والفنانين والكتاب، إذ تعدى الأمر كونه مجرد برمجة للآلة على بعض البيانات وانتظار ردود وإجابات شبيهة بالمدخلات.
وبالتالي تثير هذه التطورات المتسارعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي العديد من التساؤلات حول مستقبل عالمنا في ظل تطورات الذكاء الاصطناعي، فهل تبدو تطورات الذكاء الاصطناعي في عصرنا الحالي أشبه بسباق التسلح النووي في خمسينيات القرن الماضي؟، وهل سيصبح الأداة الأولى لتسلح الدول في المستقبل القريب؟، بحيث يُقاس من خلالها قوة الدول ومكانتها بين الدول الأخرى. هل ستختفي الجيوش النظامية ويحل محلها جنود آليين لغزو دول أو حتى كواكب أخرى؟، أم ستتسبب هي نفسها في قيام حروب بسبب خروج تصريح مُصور على لسان رئيس دولة وانتشاره بدون أي نية لقيام حرب، ولكنها مصلحة دولة ثالثة ستستفيد لاحقًا من قيام حرب بين دولتين ما أو في إقليم ما، وهو ما قد يحدث بسهولة شديدة باستخدام تقنيات الـ Deep Fake التي تظهر الشخص يتكلم بالصوت والصورة دون ملاحظة أي فرق عن شكله في الواقع، وهو ما قد يتسبب في النهاية في وقوع كارثة دولية.
من مجمل ما سبق، يمكن القول إن هذه التطورات قد تستمر في نطاق التحكم البشري، وقد تخرج عن السيطرة وتنقلب على البشر مع دوام تعاملها معنا والأخذ المستمر من صفاتنا التي تميل في بعضها إلى العدوانية أحيانًا، لذلك يمكننا استباق حلول لكل هذه السيناريوهات المخيفة والمُهددة لنا من خلال وضع إطار عمل قانوني منظم لعمليات الابتكار والتطور التكنولوجي يشمل كل أشخاص القانون الدولي الفاعلين في هذا المجال للحد من آثاره السيئة المحتمل وقوعها ولتفادي وقوع كوارث قد يكون العالم في غنى عنها.