المقدِّمة:
نحاول استعراض الآثار العلميَّة الَّتي خلَّفها ناصيف اليازجيُّ، وهي مؤلَّفاتٌ في مجملها ناسبَتْ ذوق عصره، ونأَتْ عن ركاكة التَّراكيب اللُّغويَّة الَّتي سادَتِ العصريْنِ المملوكيَّ والعثمانيَّ اللَّذيْنِ يسبقانه، إلى رصانة التَّعابير الأدبيَّة، ولعلَّ اليازجيَّ أسهم في رفع الوعي القوميِّ من خلال إحياء التُّراث العربيِّ؛ بتقريب لغته وتهذيب مصادره وتيسير شروحه، والحاجة ماسَّةٌ إلى تحقيق هذه الآثار العلميَّة لليازجيِّ تحقيقًا علميًّا؛ لصعوبة مطالعة هذه النُّسخ العتيقة، وغرابة الألفاظ والتَّراكيب اللُّغويَّة والعبارات الْمَسْكُوكَةِ الشَّائعة في القرن التَّاسع عشر الميلاديِّ، ممَّا يستلزم شرح الكثير منها لاستغلاقها على المتلـقِّي العربيِّ المعاصر، الَّذي ضعـفَتْ لديه الْمَـلَـكَةُ اللُّغويَّة إلى حـدٍّ بعيدٍ.
أوَّلًا: ترجمة ناصيف اليازجيِّ:
ناصيف بن عبد الله اليازجيُّ لغويٌّ وشاعرٌ وكاتبٌ، وُلد في مقتبل القرن التَّاسع عشر الميلاديِّ بداية عصر النَّهضة، في قرية “كفر شيما” بساحل بيروت بلبنان، تحديدًا في الخامس والعشرين من مارس سنة (1800م)، الموافق للثَّـامن والعشرين من شوَّال سنة (1214هـ)، وتُـوفِّي في الثَّـامن من فبراير سنة (1871م)، الموافق للسَّابع عشر من ذي القعدة سنة (1287هـ)، قطنَتْ أسرته حُورَانَ في القرن السَّابع عشر الميلاديِّ، وهاجر أفرادٌ منها إلى حِمْصٍ، واشتغلوا بالكتابة للولاة، وأُطلق عليهم بالتُّركيَّة “اليازجيُّ”، أي: الكاتب، فقد كان عبد الله اليازجيُّ والده كاتبًا للأمير حيدر الشِّهابيِّ في القرن الثَّامن عشر الميلاديِّ.
وكان اليازجيُّ معتدل القامة حنطيَّ (قمحيَّ) اللَّون أسود الشَّعر أَجَشَّ الصَّوت، متأنيًا وقورًا متواضعًا شَهْمًا، عفَّ اللِّسان في حديثه وكتابته؛ [انظر: ديوان “النُّـبْـذَةُ الأولى“: صفحة ت. الأعلام: ترجمة ناصيف بن عبد الله اليازجيِّ. قاموس الأدب العربيِّ الحديث: ص813- 814. في الأدب الحديث: ج1/ ص70]، ولمَّا كان والده محبًّا للأدب، ومن مشاهير الأطباء، الَّذين ساروا على نهج الفيلسوف الطَّبيب أبي عليٍّ الحسين بن عبد الله بن سينا الملقَّب بالشَّيخ الرَّئيس (ت 428 هـ)، هو ما دفع اليازجيَّ أن يشتغل في أوَّل أمره بالعلوم والطِّبِّ، ولكنَّ الأدب غلب عليه.
وتعلَّم ناصيف اليازجيُّ مبادئ القراءة والكتابة على يد القسِّ مَتَّى بـ”بيت شباب”، بينما أحبَّ الأدب من والده، أمَّا العلوم الَّتي عُني بدراستها فهي: “الصَّرف والنَّحو والمعاني والبيان والبديع والعَروض والقوافي والمنطق والطِّبُّ والموسيقى، مع ما أحصاه في صدره من اللُّغة حتَّى كان كأنَّه القاموس”؛ [مجلَّة الجنان: السَّنة الثَّانية، 1871م، ص195]، كذلك عُرف اليازجيُّ بموهبة الشِّعر وهو في السَّادسة عشرة من عمره، فعمل كاتبًا في ديوان الأمير بشير الشِّهابيِّ، فاتَّخذه كاتم سرِّه، وكان في قصره مُبَرَّزًا في اللُّغة والأدب، ولمَّا دَالَتْ دولة الأمير الشِّهابيِّ سنة (1840م) عاد اليازجيُّ إلى بيروت، وانخرط في سلك التَّعليم في مدارسها الَّتي كانت قد أُنشئت حديثًا، واتَّصل بالمراسلين الأمريكيِّين يصحِّح مطبوعاتهم لاسيَّما الكتاب المقدَّس، وأصبح عضوًا في الجمعيَّة السُّوريَّة وهي بمنزلة المجمع العلميِّ، فالتـفَّ حوله الكثيرون ليفيدوا من تبحُّره في علوم العربيَّة.
وفي سنة (1863م) استقدمه بطرس البستانيُّ للتَّدريس في المدرسة الوطنيَّة الَّتي افتتحها في بيروت، كما اشتغل معه بتصحيح الجزء الأوَّل من معجم “محيط المحيط”، وكان اليازجيُّ أحد أساتذة المدرسة الْبَطْرَكِـيَّةِ عند إنشائها، ثـمَّ درَّس في الكلِّــيَّة الإنجيلـيَّة السُّوريَّة (الجامعة الأمريكيَّة بعد ذلك)، واتَّصل به المستشرقون من كلِّ مكانٍ؛ [انظر: قاموس الأدب العربيِّ الحديث: ص 814. في الأدب الحديث: ج1/ ص70]، ويبدو أنَّه في أخريات حياته انقطع للتَّـأليف ونظم الشِّعر ومراسلة الأدباء، وأصبح بيته قِبلة العلماء وموئل الفتوى في القضايا اللُّغويَّة والأدبيَّة، حتَّى ذاعَتْ شهرته في الأقطار العربيَّة؛ ولعلَّ ذلك هو السَّبب الرَّئيس في كثرة مراسلاته لأعلام شعراء عصره.
ويمكن استنباط ملامح السِّيرة الذَّاتيَّة لناصيف اليازجيِّ، من خلال تـتـبُّع الَّذين راسلوه وراسلهم من الشُّعراء المجايلين أو المعاصرين له، وهم: عبد الباقي أفندي العمريُّ، والشَّيخ عبد الحميد الموصليُّ، والسَّـيِّد شهاب الدِّين العلويُّ، وأحمد فارس أفندي الشِّدياق، وجرجس أبلَّا، وكاشف أفندي زاده محمَّد عاقل، وحمد محمود أفندي، والشَّيخ عبد الرَّحمن الصُّوفيُّ الزَّيلعيُّ، والسَّـيِّد حبيب البغداديُّ، والشَّيخ عبد الهادي نجا الإبياريُّ، والشَّيخ إبراهيم الأحدب الطَّرابلسيُّ، وأسعد أفندي طَرَّاد، وخليل أفندي الخوريُّ، والمعلِّم مارون النَّـقَّاش، والشَّيخ محمد الْمُوَقِّت، والشَّيخ حسن عليّ اللَّــقَّـانيُّ، والشَّيخ إبراهيم سراج الدِّين الشَّافعيُّ، والشَّيخ محمود نوَّار، ومحمَّد عثمان أفندي، وهي أسماءٌ تتردَّد بين المشهورين والمغمورين.
واليازجيُّ يعلي من قيمة الصَّداقة، ممَّا يجعلها موضوعًا أدبيًّا متكرِّرًا، فيقول يرثي صديقًا: [انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص73]
قَـدْ كُـنْـتُ أَنْــتَــظِــرُ الْــبُـــشْــرَى بِـــرُؤْيَــتِــهِ ** فَـجَـاءَنِـي غَــيْــرُ مَـا قَدْ كُــنْــتُ أَنْــتَــظِــرُ
إِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ شَهْدُ الْوَصْلِ مِنْهُ فَقَدْ ** رَضِيتُ بِالصَّبْرِ، لَكِنْ كَيْـفَ أَصْطَبِـرُ؟!
أَحَـــبُّ شَــيْءٍ لِـــعَــــيْـــنِــي حِـــيــنَ أَذْكُـــرُهُ ** دَمْعٌ، وَأَطْــيَـبُ شَـيْءٍ عِــنْــدَهَـا السَّـهَــرُ
هَــذَا الـصَّــدِيــقُ الَّــذِي كَــانَــتْ مَــوَدَّتُـــهُ ** كَـالْــكَــوْثَـرِ الْــعَــذْبِ لَا يَــغْـــتَــالُـهَـا كَـــدَرُ
كما أيَّـد ناصيفُ اليازجيُّ محمَّدَ عليَّ باشا في فتوحاته ومشروعاته النَّهضويَّة، فقال اليازجيُّ يهنِّـئه بفتح عَكَّا وانتصاره على عبد الله الجزَّار واليها آنذاك:
يَـا فَـاتِـحَ الْــقُــطْــرَيْــنِ أَنْــتَ مُـحَـمَّــدُ ** هَلْ دُونَ فَتْحِكَ فِي الْبِلَادِ مُسَدَّدُ؟!
أَنْــتَ الْــعَـــلِــيُّ كَـمَـا يُـقَــالُ وَنَــسْــلُـهُ ** مِـنْــكَ الْــمَــعَــالِـي لَـمْ تَـــزَلْ تَـــتَـــوَلَّــدُ
لَـمَّـا بَـعَـثْـتَ مِـنَ الْـكِـنَـانَـةِ سَـهْـمَـهَا ** حَـــلَـــفَـــتْ عَـــلَـــيْـــهِ أَنَّــهُ لَا يُـــصْــــرَدُ
وظلَّ اليازجيُّ يدرِّس ويؤلِّف حتَّى ابـتُـلي بفالجٍ شلَّ شطره الأيسر، ثـمَّ أُصيب بفقد “حبيبٍ” أكبر أبنائه وهو في شَرْخِ الشَّباب، فـلـبَّى اليازجيُّ نداء ربِّه بعده بقليلٍ، وقد رثا اليازجيُّ “حبيبًا” قائلًا: [انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص75]
ذَهَبَ “الْحَبِيبُ” فَيَا حُشَاشَةُ ذُوبِي ** أَسَـفًـا عَــلَـيْـهِ وَيَــا دُمُــوعُ أَجِــيــبِــي
رَبَّـــيْـــتُــهُ لِـــلْـــبَـــيْـــنِ حَـــتَّـــى جَـــاءَهُ ** فِـي جُــنْـحِ لَــيْــلٍ خَـاطِــفًـا كَـالـذِّيـبِ
يَــا أَيُّــهَــا الْأُمُّ الْــحَــزِيــنَـةُ أَجْــمِــلِــي** صَـبْـرًا فَـإِنَّ الـصَّـبْـرَ خَــيْــرُ طَـبِـيـبِ
لَا تَـخْــلَـعِـي ثَـوْبَ الْـحِـدَادِ وَلَازِمِـي ** نَــدْبًــا عَــلَـيْـهِ يَـلِـيـقُ بِـالْــمَــحْــبُــوبِ
إِنِّـي وَقَــفْــتُ عَــلَى جَـوَانِـبِ قَـــبْــرِهِ ** أَسْـقِـي ثَــرَاهُ بِـدَمْـعِـيَ الْــمَــصْــبُــوبِ
وَلَـقَــدْ كَـتَـبْـتُ لَـهُ عَــلَـى صَفَحَاتِـهِ ** يَـا لَــوْعَـــتِــي مِـنْ ذَلِـكَ الْــمَــكْــتُــوبِ
لَـكَ يَـا ضَــرِيــحُ كَــرَامَــةً وَمَــحَــبَّــةً ** عِـنْدِي لِأَنَّـكَ قَدْ حَـوَيْـتَ “حَـبِـيـبِـي”
وبدَتْ تجلِّيات العلوم الَّتي نَهَـلَ منها اليازجيُّ فيما خلَّفه من مؤلَّفاتٍ متنوِّعةٍ، وسنضع بين يدي القارئ ثَـبَـتًا بأسماء المؤلَّفات، مصحوبةً بتواريخ الطَّبعات، وما خَالَجَ بعضها من شرحٍ أو تصحيحٍ أو اختصارٍ؛ لباعثـيْنِ مهمَّـيْنِ، أوَّلهما: تقادُم زمن طباعتها، فغالبيَّـتها تجاوز القرن ونصفه، ثانيهما: الأهميَّة العلميَّة لهذه المؤلَّفات، ممَّا يدفع الباحث إلى التَّــنَادِي بجمعها وتحقيقها ودراستها على هيئة الأعمال الكاملة كمشروعٍ علميٍّ قادمٍ.
ثانيًا: الآثار العلميَّة الَّتي خلَّفها ناصيف اليازجيُّ:
في الصَّرف والنَّحو: أرجوزة “لمحة الطَّرف في فنون الصَّرف”، وهي أرجوزةٌ تقع في سبع عشرة صفحةً، ألَّفها وشرحها اليازجيُّ سنة 1854م، وطبعتها المطبعة المخلصيَّة للرُّوم الكاثوليك في بيروت سنة 1870م. وأرجوزة “الْجُمَانَةُ في شرح الخزانة“، وهي أرجوزةٌ طويلةٌ تقع في مائةٍ وأربعين صفحةً، وطبعتها المطبعة المخلصيَّة، فالمطبعة الأمريكيَّة سنة 1872م، واختصر ابنه الشَّيخ إبراهيم الشَّرح وأصدر الطَّبعة المختصرة سنة 1889م، وهي في علم الصَّرف، واعتمد فيها على المستعمَلات واستغنى عن الشَّوارد وشملها بالشَّرح والتَّعليق. وكتابٌ سمَّاه اليازجيُّ “طوق الحمامة”، وهو كتابٌ نثريٌّ مختصَرٌ يقع في عشرين صفحةً، طبعته المطبعة المخلصيَّة سنة 1865م، ويبدو تأثُّر اليازجيِّ بالتُّراث العربيِّ في استلهام عنوان كتاب “طوق الحمامة في الأُلْـفَة والأُلَّاف” لابن حَزْمٍ الظَّاهريِّ وإن اختلفا في المحتوى المعرفيِّ للكتابيْنِ. وأرجوزة “اللُّباب في أصول الإعراب”، وهي أرجوزةٌ تقع في ثمانٍ وعشرين صفحةً، طُبعَتْ سنة 1889م، وشملَتْ مبادئ النَّحو وشرحها. وأرجوزة “نار الـقِـرَى في جَوْفِ الفِـرَا”، وهي أرجوزةٌ تقع في ثلاث مائةٍ وتسعٍ وثمانين صفحةً، فرغ اليازجيُّ من تبييض الشَّرح سنة 1861م، وطُبع في بيروت سنة 1863م، واختصره ابنه الشَّيخ إبراهيم في مائتين وستٍّ وتسعين صفحةً، وطُبع سنة 1889م، كما أعرب شواهده المعلِّم شاهين عطيَّة، وسمَّاه “الدُّرر في عقـود الجوهر”، ويبدو توظيف اليازجيِّ لـلـمَـثَـل العربيِّ “كُلُّ الصَّيْـدِ فِي جَوْفِ الْـفِـرَا”، وهي في قضايا النَّحو المتفرِّقة في مصادر أئمة النُّحاة. وكتابٌ سمَّاه اليازجيُّ “الجوهر الفرد”، وهو كتابٌ موجَزٌ يقع في خمس عشرة صفحةً، وطبعته المطبعة المخلصيَّة سنة 1865م، وشرحه ابنه الشَّيخ إبراهيم، واختصر فيه قواعد الصَّرف والنَّحو اختصارًا شديدًا، وسمَّاه “مطالع السَّعد في شرح الجوهر الفرد”، وطُبع في بيروت سنة 1888م، وقد وضعه اليازجيُّ للطُّـلَّاب النَّاشئة، وفكرة (التَّــفَــرُّدِ وَالْـفَـرْدِ وَالْـفَـرْدِيَّةِ وَالْـفَـرَدَانِـيَّةِ) بتقاليبها اللُّغويَّة وظلالها الفلسفيَّة لاشكَّ مَسَّتْ قلم اليازجيِّ، حين وضع عنوان “الجوهر الفرد”. وكتاب “فصل الخطاب في أصول لغة الأَعْـرَاب”؛ [لا أدري لِمَ اقتصر عمر الدُّسوقيُّ على ذكر كتاب “فصل الخطاب في أصول لغة الأَعْـرَاب”، كمؤلَّفٍ لليازجيِّ في الصَّرف والنَّحو، وأغفل سائر المؤلَّفات؟! انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص72]، وهو كتابٌ يقع في مائةٍ وأربعٍ وعشرين صفحةً، وطُبع في بيروت سنة 1854م، ثـمَّ أضاف إليه اليازجيُّ زياداتٍ فوقع في مائتيْنِ وسبعٍ وخمسين صفحةً، وطُبع سنة 1866م، ثـمَّ طبعته المطبعة الأمريكيَّة سنة 1877م، وقسَّمه إلى قسميْنِ للصَّرف وللنَّحو. ثـمَّ تنقيح كتاب “بحث المطالب”؛ [انظر: مجلَّة الجنان: السَّنة الثَّانية، 1871م، ص190- 191]، وضبطه اليازجيُّ للمطران جرمانوس فرحات.
وفي البلاغة: كتاب “عقد الجُمَان”، وهو كتابٌ يقع في مائتيْنِ وستَّ عشرة صفحةً، أنهاه اليازجيُّ سنة 1848م، وطبعته المطبعة الأمريكيَّة تحت عنوانيْنِ: “عقد الجُمَان”، و“مجموع الأدب في فنون العرب”، عدَّة طبعاتٍ؛ أولاها سنة 1908م، وآخرها التَّاسعة سنة 1932م، وأعاد ترتيبها لبيب جريديني مُدْمِجًا المتن في الشَّرح، والكتاب ضمَّ خلاصة المعاني والبيان، بين متنٍ وشرحٍ. وأرجوزة “الطِّراز المُعْـلَم”، وهي أرجوزةٌ تقع في خمسٍ وثلاثين صفحةً، فرغ من تبييضها اليازجيُّ سنة 1861م، وطبعتها المطبعة المخلصيَّة سنة 1868م، وهي مشروحةٌ مختصرةٌ في مبادئ البيان.
وفي العَروض: أردف اليازجيُّ بكتاب “عقد الجُمَان” بحثًا سمَّاه “نقطة الدَّائرة”، في العَروض والقافية. ثـمَّ أرجوزة “اللَّامعة في شرح الجامعة”؛ [أصدرَتْ مكتبة لبنان ناشرون، بيروت- لبنان، سنة 1419هـ/ 1999م، كتاب “دليل الطَّالب إلى علوم البلاغة والعَـروض”، كطبعةٍ حديثةٍ ميسَّرةٍ لمؤلَّفات اليازجيِّ في هذيْنِ العلميْنِ]، وهي أرجوزةٌ تقع في مائةٍ وسبعٍ وعشرين صفحةً، أنهاها اليازجيُّ سنة 1853م، وشرحها ابنه الشَّيخ حبيب، وطُبعَتْ في بيروت سنة 1869م، وهي في العَروض والقافية.
وفي الشِّعر: ديوان “نُـبْـذَةٌ من ديوان الشَّيخ ناصيف اليازجيِّ”، وهو ديوانٌ يقع في مائةٍ وثمانٍ وعشرين صفحةً، له طبعتان: أولاهما في بيروت سنة 1853م، وثانيتهما بالمطبعة الشَّرقيَّة في بيروت سنة 1904م، عنوانها: “النُّـبْـذَةُ الأولى”، صحَّحها ابنه الشَّيخ إبراهيم، وصدَّرها سِبْطُهُ الشَّيخ أمين الحدَّاد بترجمة النَّاظم. وديوان “نَـفْحَةُ الرَّيحان”، وهو ديوانٌ يقع في مائةٍ وثمانٍ وثلاثين صفحةً، له طبعتان: أولاهما بالمطبعة العموميَّة في بيروت سنة 1864م، وثانيتهما بالمطبعة الأدبيَّة في بيروت سنة 1898م، وصحَّحها ابنه الشَّيخ إبراهيم. وديوان “ثالث القمريْنِ”، وهو ديوانٌ له طبعتان: أولاهما في بيروت سنة 1883م، مذيَّلةً قصائدها بتواريخها، وثانيتهما بالمطبعة الأدبيَّة في بيروت سنة 1903م، وتقع في مائةٍ وستٍّ وأربعين صفحةً، وصحَّحها ابنه الشَّيخ إبراهيم. وديوان “نُـبْـذَةُ تواريخَ مقتطَفةٍ من ديوان الشَّيخ ناصيف اليازجيِّ”، وهو ديوانٌ يقع في ستَّ عشرة صفحةً، وطُبع في بيروت سنة 1859م.
وأوضح عمر الدُّسوقيُّ أنَّ ناصيف اليازجيَّ خلَّف ديوان شعرٍ، يقع في ثلاثة أجزاء، هي: “نَفْحَةُ الرَّيحان”، و“فاكهة النُّدماء”، و“ثالث القمريْنِ”؛ [انظر: في الأدب الحديث: ج1/ ص72]، ممَّا يعني نظرته إلى النُّـبْـذَتَـيْـنِ السَّالفتـيْنِ بوصفهما من المختارات الشِّعريَّة وليستا من الدَّواوين الأصيلة في التَّــأليف. ولليازجيَّ خطابٌ شعريٌّ؛ [انظر: أعمال الجمعيَّة السُّوريَّة، الكرَّاس السَّادس، ص41- 43]، طُبع سنة 1852م، وهو عن العلوم عند العرب، منذ العصر الجاهليِّ فالإسلاميِّ وحركة التَّـدوين.
وفي المختارات الشِّعريَّة: ديوان “فاكهة النُّدماء في مراسلة الأدباء”، صدرَتْ طبعته الأولى في بيروت سنة 1870م، ومنها بدار صادرٍ في بيروت سنة 1930م، والثَّالثة طبعتها المكتبة المصريَّة لعزيز أفندي زند في القاهرة سنة 1889م، وطُبع بالإفراد (مُرَاسَلَةٍ)، كما طُبع بالجمع (مُرَاسَلَاتٍ)، وهو مجموعة قصائدَ من الشِّعر العموديِّ بين الشَّاعر ناصيف اليازجيِّ وبعض شعراء عصره، والأصل فيه أنَّه جمع بين الرَّسائل الشِّعريَّة والنَّـثريَّة، فلمَّا طُبع في ديوانٍ اقتصر على الشِّعريَّة؛ حتَّى خرج الكتاب على هيئة ديوانٍ لا يضمُّ سوى القصائد؛ لذا أدرجناه تحت المختارات الشِّعريَّة الَّتي تشبه المعارَضات وزنًا وقافيةً.
وورد في تتـمَّـة الدِّيوان: “هذا ما استطعنا جمعه من هذه المراسلات، وقد بقـيَـتْ عدَّة قصائدَ واردةٌ من الجهات، لم نجدها فلم نتعرَّض لطبع أجوبتها المدرَجة في النُّـبْـذَتَـيْـنِ المطبوعتيْنِ من ديوانه، وممَّا فاتنا أيضًا الرَّسائل النَّـثريَّة المرسَلة منه إلى الشُّعراء خطابًا أو جوابًا، إذ ليس لها صورٌ هنا، ولا سبيل إلى استجلابها من حيث هي؛ ولذلك خلا منها هذا المجموع”؛ [ديوان فاكهة النُّدماء في مراسلات الأدباء: ص90]، واهتمَّ سليم دياب بتقصِّي الرَّسائل شعرها ونثرها ووعد بإصدارها مجتمِعةً، يقول: “عنيتُ باستقصائها فوجدْتُ شيئًا كثيرًا من رسائلَ نثريَّةٍ وشعريَّةٍ أُغفلَتْ في الطَّبع، فجمعْـتُهَا عندي، وسأترقَّـب الفرصة لنشرها”، ويعـقِّـب عليه عيسى ميخائيل سابا قائلًا: “على أنَّه لم يفعل ذلك، ولم يقع لنا شيءٌ ممَّا وعد به”؛ [مجلَّة الجنان: السَّنة الثَّانية، 1871م، ص152. الشَّيخ ناصيف اليازجيُّ (الكتاب السَّادس من سلسلة نوابغ الفكر العربيِّ): ص22].
ولكن بمطالعة الدِّيوان وجدناه قد حوى عددًا من الرَّسائل النَّـثريَّة؛ [الرَّسائل النَّثريَّة فِي ديوان فاكهة النُّدماء في مراسلات الأدباء: رسالة عاقل، ص14. ورسالة الزَّيلعيِّ، ص19. وثلاث رسائلَ للإبياريِّ، ص26- 38- 43. ورسالة اللَّــقَّـانيِّ، ص75]، الَّتي دارَتْ بين اليازجيِّ وأصدقائه مصحوبةً بالرَّسائل الشِّعريَّة؛ ووردَتْ من محمَّد أفندي عاقل، والشَّيخ عبد الرَّحمن الصُّوفيِّ الزَّيلعيِّ، والشَّيخ عبد الهادي نجا الإبياريِّ، والشَّيخ حسن عليِّ اللَّــقَّـانيِّ.
وفي شروح الشِّعر: كتاب “العَرْف الطَّـيِّب في شرح ديوان أبي الطَّـيِّب”؛ [انظر: قاموس الأدب العربيِّ الحديث: ص 814. في الأدب الحديث: ج1/ ص72]، وهو كتابٌ يقع في سبع مائةٍ وثلاث عشرة صفحةً، طبعته مطبعة القدِّيس جاورجيوس في بيروت سنة 1882م، ثـمَّ أصدرته في جزأيْنِ دار صادرٍ في بيروت سنة 1964م، وهو شرحٌ ماتعٌ لديوان شيخ الشُّعراء؛ أبي الطَّــيِّب أحمد بن الحسين الْجُعْـفِيِّ الْكِـنْدِيِّ الْـكُوفِيِّ، المعروف بِالْمُتَــنَـبِّيِّ (ت 354 هـ)، كما يُذكر أنَّ شرح اليازجيِّ للمتنبِّيِّ قد أتمَّه ابنه إبراهيم، ولعلَّ هذا هو السَّبب في أنَّ الباحث لمَّا عاين أصل هذه الطَّبعة وجد في حَـرْدِ متنها أنَّ اليازجيَّ قد فرغ من تبييضها ونشرها سنة 1887م، وهو تاريخٌ تالٍ للمثـبَت على الغلاف!
وفي الأدب: كتاب “مجمع البحريْنِ”، فقد “ذهب الشَّيخ ناصيف اليازجيُّ في نثره مذهب الباروديِّ ومدرسته في إحياء الشِّعر العربيِّ، فكان اليازجيُّ مقـلِّـدًا لكُتَّاب النَّـثر العربيِّ في العصر العباسيِّ”؛ [قاموس الأدب العربيِّ الحديث: ص 814]، وهو ستون مَقَامَةً نَسج فيه على مِنْـوَالِ مقامات أبي الفضل بديع الزَّمان الهمذانيِّ (ت 398 هـ)، وأبي محمَّد القاسم الحريريِّ (ت 516 هـ)، وقد نسب اليازجيُّ روايتها إلى سُهَـيْـلِ بن عَبَّادٍ، وبطولتها إلى ميمون بن خُزَامٍ، وعليها تلقَّى اليازجيُّ مراسلات تقريظٍ كثيرةً من أصدقائه؛ لما لمسوه من إحاطته بغريب لغة العرب وأمثالهم وأيَّامهم، فمقامات اليازجيِّ تُعَدُّ وثـيقةً تاريخيَّةً وحُجَّةً لغويَّةً في آنٍ.
وفي المنطق: رسالة “قُطْبُ الصِّناعة في أصول المنطق“، وهي رسالةٌ تقع في سبعٍ وثلاثين صفحةً، أنهاها اليازجيُّ سنة 1857م، وطبعتها المطبعة الأمريكيَّة عدَّة طبعاتٍ؛ أولاها سنة 1857م، وآخرها الرَّابعة سنة 1913م، فكـوَّنَتِ الرِّسالة والأرجوزة معًا خمسين صفحةً، وقد خصَّصها اليازجيُّ لأنواع القضايا والقياس، وأردف بها أرجوزةً صغيرةً سمَّاها “التَّـذكرة في أصول المنطق”، عن أركان المنطق.
وفي الطِّبِّ: أرجوزة “الحَجَر الكريم في الطِّبِّ القديم”؛ [نُشرَتْ في مجلَّة الطَّبيب: العدد الرَّابع عشر، سنة 1902م، ص125- 151]، وهي أرجوزةٌ تقع في أربعةٍ وثمانين بيتًا. كما وضع اليازجيُّ “الْمَقَامَةَ الطِّـبِّـيَّةَ”، وهي الْمَقَامَةُ الثَّلاثون ضمن مقامات “مجمع البحريْنِ”.
ويوضِّح عيسى ميخائيل سابا أنَّ: فنَّ الكتابة عامَّةً في بيروت في مطلع القرن التَّاسع عشر الميلاديِّ كان على قدرٍ كبيرٍ من الانحطاط والرَّكاكة، ولم يكن إنشاء الـكُـتَّـاب يجري وفق قواعد اللُّغة وعلومها، ويستشهد على ذلك ببعض الوثائق الَّتي كانت تُــكتب في دواوين الحكَّام، حيث تسرَّبَتْ إليها مسحة اللَّهجة العامِّـيَّة والرَّطانة الأعجميَّة، فكادَتِ اللُّغة المُعْرَبَة والعبارة الصَّحيحة أن تغيب، فحاول بعض الكُـتَّاب النَّهضة باللُّغة في مصرَ والشَّام، مثل: ناصيف اليازجيِّ وفارس الشِّدياق وبطرس كرامة ونقولا التُّرك ومارون النَّـقَّاش، لكنَّ الكتابة الأدبيَّة آنذاك خرجَتْ في رداء القرن الثَّامن عشر الميلاديِّ، فغلب عليها السَّجع، حتَّى أخذَتْ في التَّـحـرُّر منه تدريجيًّا؛ بسبب انتشار التَّعليم ونشوء الصَّحافة والاقتراب من الغرب؛ [انظر: الشَّيخ ناصيف اليازجيُّ (الكتاب السَّادس من سلسلة نوابغ الفكر العربيِّ): ص8- 9. وللاستزادة فقد أشار عيسى ميخائيل سابا في طيَّات حديثه إلى كتاب “الأصول العربيَّة” لأسد رستم، و“مذكراتٍ تاريخيَّةٍ” للأب قسطنطين الباشا، و“الأساليب النَّثريَّة” لأنيس المقدسيِّ. ويمكن أن نضيف إليها كتاب “مصادرِ الدِّراسة الأدبيَّة” ليوسف أسعد داغر].
أهم مراجع المقال: