سعى د. خالد اسماعيل نايف الحمداني – أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المشارك قسم العلوم الاجتماعية – كلية الآداب ، جامعة البحرين من خلال هذه الدراسة للتعرف إلى نوع من الحوادث والكوارث الخطيرة التي تعرض لها العراق إبان العصر العباسي الثاني ألا وهي الأوبئة والطواعين والتي كانت تظهر بين فترة تاريخية وأخرى في بغداد ومدن العراق الأخرى سواء تلك التي كانت تنتقل بفعل التواصل والتنقل البشري من العراق إلى الأقاليم المجاورة وربما وردت إليه من مدن تلك الأقاليم . تٌسلط الدراسة المنشورة في مجلة بحوث العملية المحكمة عدد مارس 2024 الضوء على طبيعة تلك الأوبئة والطواعين وأثرها، اذ كانت متنوعة من حيث مدة مُكُوثها وقوة انتشارها ومظاهرها وعوامل وأسباب ظهورها ومدى تأثيرها إلى درجة بان بعض العلماء ألف كتب خاصة لها ووردت لدى المؤرخين بمسميات عديدة بحسب طبيعتها ومظهرها وتأثيرها ومن تلك المُسميات (الوباء، الطاعون، الداء، الفناء، الآفة، الموت، الموتان، المرض الوابل ).
ويكمن جوهر هذه الدراسة وأهميتها بتتبع الأثار المختلفة التي ترتبت على ظهور تلك الأوبئة والطواعين سواء الأثار السياسية التي ترتبط وتؤثر في آن واحد على قوة الدولة وضعفها ومدى تماسك مؤسساتها بضوء تفاعلها مع تلك الاوبئة والطواعين ،فضلاً عن أثارها الاجتماعية الخطيرة والتي تزداد سوءً بحسب انتشار الأوبئة ومٌكٌوثها وتكرار حدوثها في ذات المدن خاصة المجاعات والنزوح والهجرة وكثرة الموتى وازدياد عدد الأرامل والأيتام وما يرتبط بذلك من خلل في التركيبة السكانية وتأثير بالغ على البيئة والمناخ وعلى النشاط البشري، ومن اشد أثار الأوبئة والطواعين هو أثرها السلبي على الجوانب الاقتصادي حيث تراجع النشاط الاقتصادي والتجاري وتباطئ الحركة التجارية وفوضى الأسواق وشحة المواد الغذائية وانعدام الأقوات وظهور معاملات اقتصادية سلبية مثل الاحتكار وانتشار السرقة واعمال النهب والسلب وغيرها من المعاملات المٌحرمة شرعاً والمرّفوضة عرفًا. تتضح أهمية الدراسة بمحاولتها إبراز الجوانب الايجابية سواء تلك الممارسات المجتمعية التي يقوم بها افراد متطوعين أو مؤسسات اجتماعية وقفية هدفها تخفيف وطأة انتشار الأوبئة على الناس وتحقيق التضامن والتكافل ومد يد العون والمساعدة للمرضى وذويهم ،ومن الأثار الايجابية المرتبطة بظهور وانتشار الاوبئة والطواعين في مدن العراق في العصر العباسي الثاني هي الخدمات الطبية والجوانب العلمية سواء تلك الاعمال التي قامت بها الدولة العباسية من خلال دعم المتضررين وإنشاء البيمارستانات (المستشفيات)و تخصيص أجنحة أو بيمارستانات خاصة للموبوئين وتم ذلك بموازاة اهتمام الأطباء بدراسة أسباب وعوامل وأعراض تلك الأوبئة والطواعين والبحث عن حلول وعلاج للتخفيف من وطأتها، فضلاً عن نشاط العلماء في مختلف التخصصات بالكتابة والتأليف عن الأوبئة والطواعين. اتبعت الدراسة منهج البحث التاريخي التحليلي من خلال تتبع الروايات في المصادر المختلفة وتحليل ومناقشة تلك الروايات ، تم الاعتماد وبشكل أساسي على عدد من المصادر التاريخية و كتب الفقه والأدب والتراث ومؤلفات الاطباء فضلاَ عن مراجع حديثة قيمة اعتنت واهتمت بدراسة الأوبئة والطواعين في التاريخ الاسلامي .