بمناسبة المؤتمر الدولي الحادي عشر لمركز لندن للبحوث الذي يقام بالتعاون مع كلية التربية الأساسية جامعة ذي قار العريقة بعنوان ” الأبعاد الاجتماعية للتعليم الأساسي بين النظرية والتطبيق” كتبت أ.د حنان صبحي عبد الله عبيد تقول : تقاس حضارة الأمم بمستوى تطور التعليم الأساسي فيها، لما له من أهمية جذريّة في تأسيس المجتمعات وبناء ثقافاتها وتطوير علاقاتها بين الأفراد وبين الجماعات على حدّ سواء، ويعدّ وسيلة من وسائل التنمية الإنسانية، فهو الذي يؤمّن للمتعلّمين فرصة لتحسين واقعهم من جوانب عديدة -ولا سيما الجوانب الصحية والنفسية- فمن الممكن أن يؤثر الوعي التعليمي على نمط استخدام الإنسان للغذاء، مثل كونهِ مدخِّنًا ساعياً إلى التخلص من التدخين، أو حريصاً على الأطعمة الصحية أو متجنباً لما يجلب الضرر لجسمهِ. ويؤثر التعليم أيضًا على نمط استخدامه للوقت وتنظيمه، ونمط نومِهِ وعاداته اليومية، كما أنه يؤدي دوراً مهماً في منح الثقة بالنفس، مما ينعكس بشكل إيجابيّ على حياة الطلبة بشكل عام. لا شك بأن التعليم يعمل على توسيع المُدركات العقلية لدى الفرد ويصحح منهجية التفكير التي يعمل العقل وفقها في سائر المعالجات الذهنية، وهذا ما يؤثر إيجاباً على استقباله للمعلومات وتأدية وظائف الذاكرة بشكل أفضل، كما يسهم في إجادة تحديد الأهداف وفق ما تتطلبه الحياة من معايير.
أما على الصعيد الاجتماعي، يؤثر التعليم الأساسي في بناء المجتمعات وتطوير مكوناتها ويعمل على تأسيس الأبعاد الجذرية للموازنة الفكرية والقيمية والوجدانية في المجتمعات، وبالتالي فإنه يشكل النواة الأولى واللبنة الأساسية للسلام الاجتماعي، ويكوِّن صلة وصل قويّة بين جميع أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم الفكرية، وهذا ما ينعكس إيجاباً على مقوّمات الوحدة الوطنية التي تدعم كيان المجتمع واستمراره وتطوّره نحو الأفضل، وذلك أيضًا ما يجعل أفراد المجتمع على قدر من المسؤولية الوطنية والانتماء الإيجابي للمكان الذي يعيشون فيه، لكي يتمكنوا من جني ثمار ذلك التكافل الاجتماعي على كافة الأصعدة. فالبُعد الاجتماعي بالإضافة إلى القوى الثقافية المجتمعية تُشكّل المحور الأساسي للتنمية في كافة مجالاتها، فالتعليم هو الفرصة الجوهرية بالنسبة لكل فرد للتنمية البشرية المتنامية، والعمل على تطوير وإنضاج القدرات والطاقات المختلفة لكل فرد من الأفراد بطرق مدروسة ومنظّمة وأكاديمية، وذلك ما يجعل من عملية التعليم عملية ذات قداسة في البُعد الاجتماعي بالدرجة الأولى.
وعلى الصعيد السياسي، ما دور السياسة في تنمية التعليم وتطويره؟ تقوم الوزارات المسؤولة عن التعليم في كل بلد من البلاد برسم السياسات التربوية لتحقق التأثير على مستوى التحصيل العلمي في تلك البلاد وطريقة التغذية التعليمية فيها، والأساليب اللازمة لبث تلك التغذية والتدرّج بمستوياتها من مرحلة الروضة وحتي مرحلة الدكتوراه . KG…..PHD، وتساهم تلك الوزارات بدورها الأساسي في تفعيل الدور القومي للتعليم وتوسيع دائرة التطوير العلمي الوطني، وبالتالي رفد الوطن بالأفراد المساهمة في الوظائف التعليمية وتطوير مستوياته الثقافية والاقتصادية، وتحسين مستوى البلد مقارنةً بالبلاد الأخرى من خلال الدعم العلمي بالوسائل اللازمة وتأمين المتطلبات الضرورية للنهوض بالحركة التعليمية المستمرة. كما يمكن القول بأنّ هناك رابطة قويّة بين ارتفاع المستوى التعليمي في بلد معين وبين تمكُّن الأفراد من الديمقراطية التي تُتيح لهم التصرف الأمثل بالموارد العلمية، كالاستثمار وتأسيس المشاريع التجارية والمشاركة في ميادين عالمية، واستخدام الصلاحيات المتعددة. ومن هنا نؤكد مقولة ” تقاس حضارة الأمم بمستوى تقدم التعليم فيها وجودته”