سمر الشرقاوي : الإسلام أقر احترازيات وقت الأوبئة لحفظ النفس

on 17 May 2020, 09:44 AM

تشارك في المؤتمر الدولي التاسع تداعيات كوفيد – 19

د. سمر الشرقاوي

تشارك الدكتورة سمر مصطفى الشرقاوي  – جامعة الملك فيصل – كلية الآداب – قسم الشريعة والدراسات الإسلامية ببحث علمي   بعنوان ” مقصد حفظ النفس وأثره في إغلاق دور العبادة وقت تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19(  ”  في المؤتمر الدولي التاسع الذي ينظمه مركز لندن للبحوث والاستشارات بعنوان: (التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لفيروس كوفيد – 19) على البرامج الافتراضية  في الفترة من 6- 8 يونيو 2020م .

وقالت الشرقاوي في مستهل بحثها : من المقرر لدى الفقهاء أنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة تدور أحكامُها حول حفظ مقاصدَ خمسة، هي أمَّهات لكلِّ الأحكام الفرعيَّة، وتسمَّى بالضَّروريَّات الخمس، وهي: النَّفسُ، والدِّينُ، وَالنَّسْلُ، وَالْمالُ، وَالْعَقْلُ، وأصحاب الشَّرَّائع السَّماويَّة، والعقول السَّليمة يتَّفقون على حفظها وصيانتها، وممَّا ورد بشأن تحقيق مقصد حفظ النَّفس قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195] ؛ لذا ارتأيت البحث حول اهتمام الشريعة الإسلامية بمقصد حفظ النفس وقت تفشي فيروس كورونا المستجد لكونه جائحة عالمية.

وتابعت: إن مشكلة الدراسة تكمن في أن  كثير منا لا يعرف مدى اهتمام الشريعة الإسلامية بمقصد حفظ النفس ، وكذا الإجراءات الاحترازية التي وضعتها منذ ما يربو من ألف وأربعمائة وأربعين عاماً ويزيد؛ لذا كان لزاماً بيان صلاحية تطبيق الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان . 

وحول أهداف البحث قالت الباحثة : بيان الإجراءات الاحترازية التي انتهجتها الشريعة لتحقيق مقصد حفظ النفس وقت تفشي فيروس كورونا المستجد. أهمية البحث: و تظهر أهميته فيما يأتي:

  • بيان أهمية مقصد حفظ النفس في الشريعة الإسلامية.
  • بيان التدابير الاحترازية التي قننتها الشريعة الإسلامية لحفظ النفس وجوداً وعدماً وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان .
  • بيان الحكم الشرعي لإغلاق دور العبادة في أثناء تفشي الوباء .

وأضافت : أدلة حفظ النفس كمقصد شرعي :  حافظ الإسلام على النفس البشرية وجعلها من المقاصد الشرعية التي أتت الشريعة الإسلامية لرعايتها وحفظها والأدلة على ذلك كثيرة منها :

أولاً : الذكر الحكيم : قال تعالى:﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ وتكريم الله تعالى لبني آدم بأن حرم نفوسهم، ” وجعل لهم شرفاً وفضلاً ” ، ” فسلطهم وسخر لهم سائر خلق الأرض”. وقال تعالى:﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، فحفظ الله – عزوجل النفس بنهيه عن هدرها بالإنتحار وبكل ما يؤدي لضررها. وقال تعالى:﴿وَلا تَقْتُلُوا  النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ ، فنهى الله – سبحانه وتعالى عن التعدي على نفوس الآخرين وهدرها إلا بالحق قصاصاً وغيره .

ثانياً /السنة النبوية الشريفة: قال رسول الله r :(كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) ، فدل الحديث على حرمة دم المسلم وإيذائه بأي شكل ولو كان احتقاراً  . 

ثالثاً / الإجماع: المعلوم على القطع أن حفظ النفس مقصود في الشرع؛ لذا أجمع العلماء على حرمة النفس والاعتداء عليها .

وسائل تحقيق مقصد حفظ النفس وجوداً وعدماً:

المطلب الأول: وسائل الشارع لتحقيق مقصد حفظ النفس وجوداً ، اهتم الشارع بمقصد حفظ النفس فجعل لتحقيقه وجوداً العديد من الإجراءات الاحترازية وهي:

أولاً: تشريع الزواج لحفظ النسل؛ وفيه قوله تعالى:﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾، فكان الزواج من نعم الله لحفظ نسل الإنسان على الأرض تحقيقاً لمقصد حفظ النفس.

ثانياً: كفاية النفس البشرية حاجتها الأصلية؛ من مأكل ومشرب وصحة وغيرها، فالله هو الذي خلق ما في الأرض جميعاً وسخره لخدمة الإنسان حتى أنه منَّ على قريش بذلك فقال: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾، فبين أنه تعالى آمنهم مما يخاف منه غيرهم من الغارات والحروب والأمراض كالجذام وغيره.

ثالثاً: الحث على العمل؛ لكفاية الإنسان بالكسب الحلال حاجياته قال تعالى-: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وهذا بيان من الله تعالى أنّه لا بُدّ للمسلم من الموازنة بين أمر دينه ودُنياه؛ فأوجب عليه الصلاة، ولكنّه أباح له بعدها أن يذهب إلى عمله، ويسعى إلى تحصيل رزقه، مع عدم نسيانه ذِكرَ الله، فيبقى مُراقباً لله في عمله.

رابعاً: رفع حرج التحريم عند الضرورة: حيث أباح الشارع للمضطر أن يأكل مما كان محرماً عليه؛ قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، وهذا بيان من الله تعالى ” أنه أباح للمضطر ما كان حرم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والاغتذاء به، ولو ترك السعي في ترك ما يتغذى به لكان لنفسه قاتلاً “.

خامساً: وجوب المحافظة على الصحة بأمرين :

أولاً: أخذ التدابير الوقائية بالحيطة لحفظها من المرض؛ فأمر بالوضوء خمس مرات في اليوم والليلة ، وجعله نور المؤمن،  قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، وأمر بعدم مخالطة المرضى وقايةً فقال r: ” فر من المجذوم كما تفر من الأسد”، وقال أيضاً r : ” لا يورد ممرض على مصح ، وكل هذا دليل على الاحتراز والوقاية من المرض بالنظافة وعدم مخالطة المريض حفاظاً على النفس، وهو ما أمر به الأطباء حديثاً للحد من انتشار فيروس كورونا مما دل على سبق الشريعة الإسلامية للعلم الحديث منذ زمن .