قائمةٌ هي هذه الدنيا على الابتلاء فالله خلقنا ليختبرنا ، ومحبة الله لرسوله الكريم لم تمنع عنه الابتلاء ، فأصابه – صلى الله عليه وسلم – المرض ، ما يؤكد أن المرض ابتلاء وهو من سنن الكون .
لقد كثرت الأقاويل والتحليلات والرؤى منذ انتشار وباء كورونا في العالم إلى أن وصل عدد المصابين حتى وقت كتابة هذه السطور 140 ألف حالة في 120 دولة حول العالم غيب الموت أكثر من 5000 منهم ، ومن هذه الأقاويل أن ذلك الوباء يأتي انتقاماً من الله لعباده ، وأرى أنه كبقية الأمراض يعد أحد صنوف الابتلاءات التي تأتي في سياق اختبار الله – سبحانه وتعالى – لعباده للتمحيص ، كما أنه يعد رسالة للبشر مفادها أن استقيموا، ففروا إلى الله ، فالابتلاء بين أمرين أولهما اختبار لتنقية عباده الطائعين ، وثانيهما رسالة لتنبيه العاصين ، والأمراض منها ما هو ابتلاء وفيها ما هو عقاب والتاريخ زاخر بنماذج بشرية أصابها الله بالمرض بظلمهم وفسادهم ، لكنها ليست قاعدة للارتكاز عليها واعتبار أن ” كورونا ” انتقاماً من العباد فحسب .
ويجب على المسلم أن يتخذ من الابتلاءات باباً للأجر وهو ما يتسق مع الحديث الشريف ” عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” ، لذا علينا أن نقابل وباء كورونا بالصبر واتباع كافة الإجراءات الاحترازية إلى أن يزيل الله هذه الغمة .
وأتعجب ممن ينصبون أنفسهم خطباء على مواقع التواصل الاجتماعي للتحليل والتنظير والشماتة في دول بعينها ، وإن كان وارداً أن يكون الله قد ابتلى بعضنا بهذا الوباء لظلمه وفساده ” وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” لكن يجب أن تختلف نظرة المسلم لهذه الأمور عن غيره ، فيجب أن يكون إيجابياً ، لا يجعل من نفسه مُنظراً يقود منصةً لإصدار الأحكام والتحليلات من دون علم ولا تثبت .
خطتان أمر بهما الإسلام للتعامل مع الأمراض الوبائية ، الأولى الخطة الوقائية ، الثانية العلاجية ، والأولى خير من الثانية ، فالوقاية تتطلب تجنب المصاب نقل العدوى لغيره ، لذلك أمر الإسلام بالحجر الصحي وظهر ذلك في معنى حديث النبي ” إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها ” ، فعلى الناس الالتزام بتعليمات الجهات المختصة فهي الأولى بالاتباع في مثل هذه الحالات وعدم الاجتهادات الشخصية .
وفي النهاية علينا أن نقابل ” ابتلاء ” وباء كورونا بالصبر واتباع كافة الإجراءات الاحترازية كل في بلده ، ونسأل الله أن يقي الناس شرور هذا الوباء في مشارق الأرض ومغاربها وأن يكون سبباً في عودة الناس إلى الله – سبحانه وتعالى – .