لا شك أن قبول العمل من أعظم وأهم المنح الربانية التي يرجوها كل إنسان، وذلك مبتغي الصالحين ومطمعهم وما تعلقت به هممهم في كل وقت وحين.
ذاك ما خافت من أجله قلوب المتقين، إذ هو مقصود العمل وغايته التي لأجلها نَصَبوا وتَعِبوا.
وهو ما كان يطلبه الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام حين كانا يرفعان قواعد البيت الحرام “وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم”
وهو ما كانت تسأله امرأة عمران حين نذرت حملها ليكون خادماً لبيت المقدس”ربي إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم”
وها هي عائشه رضي الله عنها تسمع قوله تعالى” والذين يؤتون ما آتو وقلوبهم وجلة” فتظن أن هؤلاء هم أصحاب الغفلة والمعاصي يفعلون السيئات وفي قلوبهم خوف من الله عز وجل بسبب أفعالهم، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يصحح لها ذلك قائلاً: لا يابنت الصديق، هم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون ألا تُقبل منهم أعمالهم، ثم تلا قول الله تعالى”أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون”..
فالمتقون يهتمون بقبول العمل أكثر من اهتمامهم بالعمل، فلا يشغلهم قلة مافعلوا أو كثرته بقدر ما ينشغلون بقبول تلك الأعمال من عدمه.
ومما عقد عليه اعتقاد السلف الصالح رضوان الله عليهم أن لقبول العمل شرطين أساسيين يجب الحرص عليهما، أحدهما باطن والآخر ظاهر، أما الباطن فهو الإخلاص المنافي للشرك بجميع أنواعه، ومعني الإخلاص أن يكون مراد العبد بجميع أقواله وأفعاله الظاهرةوالباطنة وجه الله، وابتغاء الأجر والمثوبة من الله” وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء”،وأما الظاهر فهو المتابعة، فتتبع في عملك هدي النبي صلي الله عليه وسلم، قال تعالى : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً”
وباختلال أحد هذين الشرطين يحبط العمل، كذلك الملابسة بأحد الموانع التي تمنع قبول العمل و منها المنّ والأذى، فنعقب العمل الصالح بكثرة الحديث عنه، فعلت لفلان كذا وكذا، وذلك يبطل العمل وكأنه لم يكن، قال تعالى” يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى”
ومما يمنع قبول العمل أيضاً الاعتداء علي حقوق الخلق وظلمهم، فالمفلس كما وضح النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف من أتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذت من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار.
فعلي المسلم أن يكون قبول العمل هو شغله الشاغل و يحفظ عمله من الرياء ويجعله خالصاً لوجه الله، يأتي الله بقلبٍ سليم، فيحظي بجنة النعيم.