خير ما أستهل به : قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]. صدق الله العظيم.. إنّ الحكمة من نزول القرآن الكريم باللغة العربية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ، ولكن من المعلوم والواضح أنّ اللغة العربيّة ثرية جدًّا، فهي من أثرى اللغات التي عُرفت على وجه الأرض، فالشيء الواحد له أكثر من اسم في هذه اللغة العظيمة: العسل له ثمانون اسمًا، ، والأسد له خمسمائة اسمٍ، والسيف له ألف اسمٍ.. كما أن الكلمة الواحدة وبنفس ضبطها، قد يكون لها معانٍ كثيرة لا تحصى. كل هذا أعطى اللغة العربيّة إمكانات هائلة، فتتنزل الآية الكريمة بكلمات قليلة محدودةً، ومع ذلك فإنها تحمل من المعاني ما لا يتخيل حصره.
ومن هذا المنطلق فإن اللغة العربية من حيث المبدأ تتمتع بفرص طيبة لأن تكون في المستقبل لغة ذات مكانة إقليمية ودولية مرموقة. فهي اللغة القومية لمجموعة بشرية يزيد عددها عن (200) مليون نسمة، يعيشون في أهمّ مناطق العالم استراتيجياً واقتصادياً. واللغة العربية هي الوعاء اللغوي لإحدى الحضارات العريقة الكبرى، ألا وهي الحضارة الإسلامية، وهي لغة مهمّة في مجالات الاقتصاد والسياسة وتاريخ العلوم والثقافة. ومن الواضح أن في الأقطار الأجنبية ولا سيما الغربية منها، جاليات عربية يعدّ أفرادها بالملايين، ويمكن أن يكون لتلك الجاليات دور كبير في تعليم العربية ونشرها في العالم. ولهذه المسألة شقان، أولهما تعليم العربية لأبناء الجاليات العربية بغية ربطهم لغوياً وثقافياً بوطنهم الأمّ، ومنع انسلاخهم قومياً والذوبان في المجتمعات الأجنبية التي يعيشون فيها. أمّا الشقّ الثاني فهو الاستفادة من تلك الجاليات في تعليم العربية وتعزيز مكانتها في البلدان التي يعيشون فيها .
وهناك مجموعة من الحلول والاستراتيجيات للنهوض بتعليم العربية لغير الناطقين بها من أجل تعزيز مكانتها الدولية والإقليمية في المستقبل.
1. أن يعي الرأي العامّ العربيّ، ، ما لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من أهمية إعلامية وثقافية واقتصادية وسياسية، فتعليمها لغير الناطقين بها يجب أن يكون حجز الزاوية في النشاط الثقافي العربي في الخارج.
2. أن ترصد الحكومات العربية وجامعة الدول العربية ميزانيات مناسبة من التكاليف والجهد لدعم تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، للمحافظة على المكانة العالمية للغة العربية .
3. أن تتعاون المؤسسات التعليمية العربية العاملة في مضمار تعليم العربية للأجانب فيما بينها، فتتبادل المعلومات والخبرات وتنسّق الجهود.
4. تطوير تدريس اللغة العربية كلغة أجنبية من حيث طرائقه ومواده التعليمية ووسائله وتقنياته، ليرقى إلى مصاف تدريس اللغات الأجنبية في الأقطار المتقدمة، وهذا يتطلب إعداد مدرسّي اللغة العربية لغير الناطقين بها إعداداً تربوياً وعلمياً يختلف جذرياً عن إعداد مدرسي العربية للناطقين بها.
5. دعم الجهات الأجنبية التي تعلّم العربية، وذلك بمساعدتها في إعداد المدرسين، ومدّها بالمواد والوسائل التعليمية والخبرات التربوية.
6. تكثيف البحث العلمي في ميدان تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وذلك بإحداث أقسام خاصّة به في الجامعات العربية، وتشجيع كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه فيه، وإقامة الندوات والمؤتمرات العلمية حول قضاياه.
7. تشجيع القطاع الخاصّ التعليمي العربي على الاضطلاع بدور أكبر في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وذلك بإزالة المعيقات الإدارية التي تمنعه من ذلك وتقديم الحوافز المادية له.
8. استيعاب التجارب والخبرات الأجنبية المتطورّة في مضمار تعليم اللغات الأجنبية بصورة منظمة وسريعة، والاستفادة منها في تطوير تعليم العربية لغير الناطقين بها.
9. تأسيس جمعية علمية عربية متخصصة في تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية، توجّه هذه الجمعية تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وتشرف عليه وترسم استراتيجيته وتحقق تبادل المعلومات والخبرات بين العاملين والباحثين في مضماره.
أمّا الجهات التي تتوجّه إليها هذه الاستراتيجيات والحلول فهي كثيرة، ويأتي في مقدمتها أقسام اللغة العربية وآدابها وكليات التربية ومراكز اللغات الأجنبية في الجامعات العربية. ولكن الجامعات لا تحمل بمفردها مسؤولية النهوض بتعليم العربية لغير الناطقين بها، فهذه العملية تتطلب أن تتضافر جهود وزارات التربية والتعليم العالي والثقافة والخارجية والإعلام وجامعة الدول العربية ومجامع اللغة العربية في إطار استراتيجية متكاملة لتعزيز المكانة الدولية للغة العربية.