أنهى مركز لندن للبحوث قبل أيام عرساً علمياً شارك فيه تسعون عالماً من (24) دولة عربية وأجنبية، عصفوا أذهانهم، وأنتجوا للبشرية من بنات أفكارهم أبحاثاً علمية رصينة في عنوان كبير استكتبهم فيه المركز حول “تداعيات كوفيد 19” من المناحي الاقتصادية، والاجتماعية، والطبية، والقانونية، والأمنية، والشرعية، والإعلامية كافة، فتشكلت في النهاية ملحمة علمية، أخرجت نظريات جديرة بأن تأخذ بها حكومات الدول حماية للبشرية من جوائح قادمة – لا قدر الله – وسارعت إدارة المركز عقب المؤتمر بالتواصل مع منظمة الصحة العالمية، وجامعة الدول العربية فزودتها بتوصيات المؤتمر، وكتاب الأبحاث الذي تألف من (816) ورقة قدمت حلولاً آنية، ومستقبلية حول (كوفيد 19) المسبب لمرض كورونا.
وبعيد انتهاء هذا المحفل العلمي، ووضع مخرجاته على أعتاب المعنيين بالتشريعات الحامية للناس في الدول كافة، دارت بخلدي بعض الأفكار حول المتغيرات التي يمكن أن تحدث في العالم ما بعد كورونا.
إن الأيام دول وتارات، فنجد صعوداً وهبوطاً في مؤشرات الهيمنة العلمية التكنولوجيه، والتاريخ خير شاهد على ذلك، وما أعمارنا إلا ومضة لا تذكر في التاريخ البشري، ومن يقرأ التاريخ جيداً يدرك أن دوام أي حال من المحال، فلطالما أمم سادت وتوهجت ثم انحسرت وساد غيرها، فأي دولة مهما بلغت من قوة هي كالنظام البشري ضعف ثم قوة ثم ضعف من بعدها، فبريطانيا العظمى تلك الدولة التي كانت يوماً ما لاتغيب عنها الشمس، وكنيت بذلك لشدة توهجها مطلع القرن الماضي وقت أن كانت تتسيّد العالم، وتشكل حامية لكثير من دوله، لكنها ما لبثت أن توارت بعد الحرب العالمية الثانية، وهي المرحلة الأكثر دموية في العالم نظراً لما خلفته من ضحايا قرابة (60 ) مليون شخص بين عامي 1939 و 1945.
وكان من نتائج تلك الحرب تشكيل هيئة الأمم المتحدة المزعومة لبسط السلم والأمن الدوليين، ولقد أسهمت تلك الحرب الضروس في تغيير كثير من موازين القوى في العالم بعد أن تغيرت الخارطة السياسية، والعسكرية، والبنية الاجتماعية في العالم، وأصبحت الدول المنتصرة في الحرب: أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ومنذ ذلك التاريخ انحسرت سيادة بريطانيا العظمى “شكلاً”، وظهرت للعالم قوتان جديدتان هما: أميركا وروسيا، ثم دارت عجلة التاريخ لتخرج روسيا من هذا الميزان بعد تفككها وتترك أميركا بمفردها تغرد في سيادة العالم عسكرياً، وسياسياً، واقتصادياً.
وتدور اليوم عجلة التاريخ من جديد لنكون على أعتاب ميلاد نظام عالمي جديد وفقاً لنواميس الكون، فشواهد عديدة تشير إلى أن أزمة (كوفيد 19) هي ظلام شديد حل بالعالم تمهيداً لميلاد قوة جديدة هي الصين لتتسيد العالم في نظام اقتصادي جديد يسيطر على كل شيء لاسيما في ظل وهن الدول الأوربية، وحالة اللادور التي تعيشها المنطقة العربية – إلا من رحم ربي – وهو حالها منذ قرن من الزمان “للأسف”.
وأرجو أن يتزامن مع هذه المرحلة المفصلية في حياة الأمم، وتغيير موازين القوى في العالم، تعاطي الدول العربية مع ذلك المتغير التاريخي تعاطياً يرفع شعوبها إلى مصاف الأمم المتقدمة من حيث إعمال المعرفة الحقيقية المرتكزة على الاهتمام بحاجات الإنسان من تعليم صحيح، وخدمات صحية متقدمة، تلك التي توفر للإنسان العيش الآمن الذي يستحقه كبشر مثل بقية البشر؛ لذلك فإني أخاطب ضمائر الجهات المعنية في وطني العربي الكبير بالاستعداد لعالم جديد بدأت رسم صورته “كورونا”؛ إذ ستكون فيه المعرفة والعمل الجاد هما المرتكز الأساسي للتقدم والنمو؛ لذلك على الجميع أن يتأهب لتغيير جذري سيحدث في العالم يتطلب إعادة بناء كل دولة لاستراتيجياتها للتعاطي مع مختلف الظروف فيما بعد الجائحة، والسعي بقوة لتطوير مهارات أبنائها واكسابهم التوعية اللازمة للتعامل مع مختلف الأزمات، أرجو أن يستفق العرب لنكون رقماً مهماً في العالم الذي يتقدم من حولنا بسرعة مذهلة ونحن نغط في سبات عميق منذ عشرات السنين.