إن الحديث عن الحرية اليوم أصبح مطية كل مضلل، ودعوى كل ملبس ومفتون، من الذين يريدون الطعن في شرائع الإسلام، بل في الدين والإسلام برمته، وهي دعوى عريضة يظن صاحبها أنها نافقة في سوق النخاسة العالمي!!!
ومن ظن أنه اليوم يعلمنا ـ نحن المسلمين ـ الحرية فهو جاهل بالإسلام، وبالتاريخ معاً، أما الإسلام فلأنه لم يقرأ أصلاً أو يكلف نفسه الاطلاع على شرائعه، وأما التاريخ فلأنه لم يسمع ولم يقرأ تاريخ المسلمين والذي من أبز حوادثه وما سطرته الكتب وطارت به الركبان، ما قاله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين لدولة الإسلام رضي الله عنه وأرضاه حين انتصف لمواطن قبطي من ابن واليه على مصر، عمرو بن العاص رضي الله عنه، حين قال له: متى استعبدتم الناس يا عمرو وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!
وهذه الحرية التي كانت في دولة الإسلام كانت حرية منضبطة بضوابط الأخلاق، وحدود حقوق الإنسان، بل والحقوق العامة للبشر، فلم تكن حرية على حساب دين أحد، ولا حرية تنتقص من حرية دين أو معتقد، حرية أعطت لنصارى بيت المقدس حقوقهم الدينية كاملة عند فتحها، وكتبت لهم عهداً لا يزال اليوم محفوظاً باسم العهدة العمرية، وحرية أعطت لامرأة من رعايا الدولة أن تعترض على أمير المؤمنين، فيقول لها: أخطأ عمر وأصابت امرأة.
وها نحن اليوم نشهد أنموذجاً من الحرية المزيفة المشوهة العرجاء، الحرية التي يريد المنادون بها أن تكون لدين دون آخر، ولجنس دون جنس، ولبلد دون بلد، حرية تجعل الاستهزاء بنبي المسلمين صلى الله عليه وسلم، حقاً مقرراً وسبيلاً متبعاً ينادي بها أعلى رأس في فرنسا (ماكرون)، هذه الحرية الشوهاء تتمثل بأقبح صورة عندما يقول الرئيس التركي أردوغان إن رئيس فرنسا (ماكرون) يحتاج إلى مصحة عقلية، فتثور ثائرة الخارجية الفرنسية وتسحب سفيرها للتشاور، اعتراضاً على هذا التوصيف ـ الدقيق ـ ، أليس من حق الرئيس التركي أن يقول ما شاء !! أليس ما قاله يكون من حرية التعبير وحرية الرأي !!! أحلال على (ماكرون) أن يقول ما شاء وإن أغضب ملياري مسلم، وحرام على أردوغان أن يعبر عن رأيه في (ماكرون) !! هل كلام هذا (الماكرون) حرية وكلام أردوغان اعتداء غير مقبول؟!!! إن كان أردوغان قد أغضب دولة واحدة (فرنسا)، فإن (ماكرون) قد أغضب عشرات الدول من المسلمين، ما لكم كيف تحكمون ؟!!! أليس من الأنفع للبشرية الرجوع للحرية التي تنضبط بضوابط الدين والأخلاق ، وهي الحرية التي نادى بها الإسلام، وطبقها المسلمون ؟!!!
أم إنهم يريدون لنا حرية من نوع خاص، هي في حقيقتها عبودية، ولكن باسم الحرية وشعارها !!! وأنى لهم ذلك .