إن شريعة الإسلام في تشريعها الذي هو تعبدي بذاته في حاله و كيفه لا يخلوا تشريعها من حكمة و مقصد لجلب منفعة أو درء مفسدة، و لذالك نجدها في تشريعها تراعي المقاصد الخمسة الجامعة و التي هي حفظ النفس و النسل و العقل و المال و الدين. و لا شك أن للزكاة و هي الركن الثالث من أركان الإسلام مقاصد كبيرة و جليلة بل إن لها مقاصد تجعلها نسيجاً موحداً للمجتمعات. إن الزكاة تنفع و ترحم الأغنياء قبل أن تفعل ذالك للفقراء . فالزكاة ليست ضريبة تضر بالأغنياء بل هي نمو و صلاح لهم .فهي تخلق علاقة تكاملية تكافلية في المجتمع و تبني دورة اقتصادية ذاتية مستقلة عن اقتصاد البلدان تحافظ على توازن حركية الاقتصاد. ثم إن الزكاة لا تفرض إلا على مال بلغ النصاب و كان ملكاً تاماً و حال عليه الحول،ولا تأخذ منه إلا اليسير. و من أجل مقاصدها أنها تشجع توظيف الأموال لدى أصحابها و تحفز فيهم فاعلية الاستثمار. فهي تستهدف المال النقدي أو العرض التجاري الذي حال عليه العام دون أن يوظف و كأنها تقول للأغنياء بلسان الحال كونوا فاعلين اقتصاديين لا خزنة أموال. بل إن من مقاصدها إصلاح و إفادة الأغنياء . فمن الممكن أن يكون الشخص مليونيراً دون أن تلزمه زكاة .فقط لأنه وظف أمواله توظيفاً كاملاً. فالزكاة مؤشر قوي وحساس لحسن توظيف المال.
إن حق الزكاة في المال يدور حول إحيائه و صلاحه و الاستفادة منه استفادةً مثاليةً و لذالك يختفي اقتطاع الزكاة إذا ذهب المال في الاستثمار و التشغيل حيث يستفيد منه المجتمع بشكل أفضل و أكمل. و من خلال ذالك توجه الزكاة الفاعلين الاقتصاديين لخلق فرص عمل بأموالهم و هي بذالك تحارب البطالة و تشجع على الإنتاج.
و من مقاصد الزكاة معالجة التضخم ،حيث تشجع على توظيف المال و ترفع القدرة الشرائية لدى الفقير لتتوازن الدورة الانتاجية. كما تحارب الزكاة الفقر من خلال استهدافها للطبقات الأكثر فقراً وحاجة للرفع من مستواهم المعيشي و إيلاجهم في الدورة الاقتصادية و إتاحة الفرصة لهم للإنتاج و العمل.
إن الزكاة هي نماء للمال و صلاح للافراد. و هي في طبيعتها عادلة منصفة فلا تفرض عليك الزكاة في ما تستهلك و لا ما تقتني. فالبس و اسكن و …..لكن لا تكن أنانياً بطالاً …فتدخر ما بقى دون أن تنتفع به و ينتفع به المجتمع .و إذا أصررت على ذالك عاماً كاملاً فالزكاة تأخذ من مالك الذي ادخرت جزءاً يسيراً لمصلحتك و مصلحة المجتمع. و لو أن المجتمعات أدت الزكاة كما أمر بها الله في وقتها و على وجهها الصحيح لانتعش الاقتصاد و اختفى الفقر و نمى التكافل الاجتماعي و عم السلم. و لما احتيج إلى الهيئات الأممية و المجتمعية لمحاربة الفقر و مساعدة الضعفاء و مقاربات السلم الاجتماعي …