يحتفل العالم منذ عام 1973 باليوم العالمى للغة العربية منذ أن تقرر أن تكون اللغة العربية إحدى لغات العمل فى الأمم المتحدة فقد كانت اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية الذى تترجم إليها وثائق الأمم المتحدة ولكن لم يكن للمتحدث باللغة العربية أن يسمح له إلا إذا أتى بمترجم أو قدم ترجمة أو دفعت الدولة مصاريف الترجمة ولكن اللغة العربية أصبحت من لغات العمل فتتحمل ميزانية الأمم المتحدة مصاريف الترجمة أسوة باللغات الأخرى.
هذا الاحتفال السنوى يجب أن يكون له محتوى وليس مجرد الاحتفال بذكرى إقرار اللغة العربية كلغة من لغات العمل فى الأمم المتحدة ويجب على العالم العربى أن يحتفل احتفالاً خاصاً بهذه الذكرى فيتذكر لماذا أقرت اللغة العربية عام 1973 وكيف كان حال العالم العربى فى ذلك الوقت لكى يخرج بدرس ثمين وهو أن وحدته وقوته عام 1973 فى المواجهة الدامية بين العرب وإسرائيل فى أكتوبر يتقدمه الجيش المصرى يجب أن تعود مرة أخرى ومن الدروس المهمة أن تفلت الدول العربية من عروبتها ونصرة إسرائيل عن طريق الاعتراف بها دون مقابل وتشجيعها على البطش بالفلسطينيين والقبول بخطة السلام الأمريكية الإسرائيلية هو نتيجة طبيعية لنجاح المشروع الصهيوني.
والاحتفال باللغة العربية يجب أن يشمل أيضاً مراجعة موقف اللغة العربية في العالم كله وكذلك مستوى اللغة وعدد الكتب التى ألفت بها والتى ترجمت منها وإليها ومستوى مؤسسات الترجمة والتعليم فى العالم العربى ومدى تقدم اللغة أو تخلفها عند المتحدثين بها ويجب أيضاً أن تشمل المراجعة لمسيرة مجامع اللغة وعلاقاتها بالعصر ومدى تطورها أو تخلفها.
وقد لوحظ أن الإحتفال بهذه الذكرى قد تضمن نعياً على اللغة وتدهورها. وفى هذا السياق يجب أن نسجل الملاحظات الآتية:
الملاحظة الأولى: هى أن التدهور أصاب اللغة كما أصاب المتحدثين بها ولكن اللغة ظاهرة اجتماعية ترتبط بتقدم المجتمع أو تخلفه لأن مفردات اللغة ثابتة، وأما الكلمات التى تضاف إليها كل عام محدودة ويجب دراسة هذه الظاهرة .
الملاحظة الثانية: هى أن اللغة العربية التى تستخدم من جانب 500 مليون ناطق بالعربية على الأقل تترك مكانها للغة العامية ولغة ثالثة بين العربية والأجنبية بالإضافة إلى لغة كسيحة يتحدث بها أصحاب اللغة العربية أسماً ولكنهم لا يحترمون أى قاعدة، فيخطئون فى الإملاء وفى كتابة الحروف كما يخطئون فى القواعد وفى الأسلوب أى يرتكبون كل أخطاء اللغة المعروفة وهذا واضح بشكل خاص فى المحادثات الشفهية وكذلك فى وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة التى وفد عليها ملايين من الجهلة ولذلك فإن هؤلاء يسيؤون استخدام هذه الوسائل. وقد تصدر توصيات من هذه اللقاءات بتقييد حرية استخدام هذه الوسائل فى الدول المتخلفة ولكن هذا التقييد يتصادم مع مصالح الشركات العاملة فى هذا المجال التى لا يهمها مستوى الإسفاف فى الأخلاق واللغة وإنما يهمها فقط جمع الأرباح وزيادة الاستخدامات الكمية لهذه الوسائل بصرف النظر عن محتواها وإن كانت بعض الشركات تضع قواعد أخلاقية لمستخدمى هذه الوسائل ولا تراقب تطبيقها وقد لاحظت فى هذا المجال أن إدارة الفيس بوك وشركائها يراقبون ما يكتب عن الصهيونية وإسرائيل ويعتبرون نقدهم جريمة تستوجب العقاب.
ولا شك أن تقييد أستخدام هذه الوسائل مسألة معقدة فى الدول المتخلفة بالذات وليست واردة فى الدول المتقدمة لأن الدول المتقدمة تحرص على حق المواطن فى استخدام هذه الوسائل بحرية ولا تضع عليه إلا قيوداً أخلاقية مثل التنابذ والعنصرية والقدح فى الأديان ماعدا الإسلام الذى استبيحت ساحته حتى بين أتباعه فاتسعت المعركة وأسهم ذلك فى تغذية التطرف من الجانبين.
الملاحظة الثالثة: هى أن تقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعى يمكن التواصل فيه من جانب الحكومات المستبدة التى استفادت من الإغلاقات بسبب كرونا وفى هذه الحالة سوف تتوسع فى تقييد استخدام هذه الوسائل ونذكر أنه خلال الثورة المصرية فى 25 يناير 2011 قطعت حكومة مبارك هذه الوسائل حتى تقطع التواصل بين الشعب المصرى الذى استخدم لأول مرة هذه الوسائل لتجميع صفوفه وكانت الشركات العاملة فى مجال الاتصالات هى التى رفعت دعوى ضد حكومة مبارك تحت مسمى انتهاك سياسة الخصوصية التى وضعتها هذه الشركات مع عملاء هذه الوسائل وبالطبع تجاوبت حكومة مبارك مع هذا الاتجاه خوفاً من الضغوط الدولية ضدها وكذلك خوفاً من أن تفقد حصتها من الرسوم والضرائب التى تحصلها بمناسبة استخدام هذه الوسائل.
الملاحظة الرابعة: هى أن اللغة العربية إذا كانأبناؤها قد قصروا فى حقها بإهمالها وعدم تطويرها وعدم احترام قواعدها فإن ذلك يرجع إلى أسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها فى هذه المقالة القصيرة ويكفى أن نشير فى هذه العجالة إلى أن القيادات فى الدول العربية هى أضعف قطاعات المجتمع ثقافة ولغة ولكنها تتسيد عرش المجتمع من خلال السلطة فترى كبار المثقفين يتحدثون فى الإعلام ويتصدرون المجالس الثقافية ويجب أن يكونوا قدوة لغيرهم فإذا هم قدوة في الإطاحة باللغة والإساءة إليها. وقس على ذلك القيادات السياسية والتشريعية والقضائية. ومن المضحك أن بعض القضاه الذين تحمسوا للسلطة ولم يراعوا هيبة القضاء ووظيفته النبيلة وأنه من سلطات الله التى أسندها إلى الانسان امتحاناً له وتمحيصاً لطبيعته ينطق اللغة العربية وهو ينطق الأحكام بطريقة مضحكة وكأنه لم يدخل المدرسة يوماً وهو تخطى الخمسين وتدرج فى مناصب القضاء. ويفترض أن اللغة العربية التى تعلمها فى المدارس الابتدائية كان يجب ان تكون عاصماً له من هذه المهزله فما بالنا بالأجيال الجديدة التى أحاطت بها مظاهر التردى من كل ناحية لذلك فإن واجب المصلحين ولا أقول المسؤولين، أن يتجمعوا فى جمعيات أهلية هدفها الأساسى دراسة أسباب أنهيار اللغة وما إذا كان انهيارها متعمداً من جانب السلطة أم أنه نتيجة طبيعية لمجموعة العوامل التى أطبقت على المنطقة العربية ويجب أن تشمل المراجعة الأعمال الدرامية منذ عشرات السنين التى تصور مدرس اللغة العربية بطريقة مضحكة وتدعو إلى الرثاء بل أنه عندما انتشرت الدروس الخصوصية كانت فى مصلحة مدرسى المواد غير اللغة العربية ولم يدخل مدرس اللغة العربية إلا مؤخراً فى هذا المضمار وبطريقة خجوله.
الملاحظة الخامسة: أنه إذا كانت اللغة العربية ظاهرة اجتماعية فإن اللغة القرآنية من تجليات الخالق وكذلك تختلف اللغة العربية التقليدية التى تحدثها العرب عن اللغة القرآنية العربية التى تحدث بها الله سبحانه في القرآن الكريم وهذه نقطة مفصلية يجب إجراء بحوث تفصيلية عليها ويجب أن يقوم بهذه المهمة مجامع اللغة العربية، وكذلك تنشيط حركة الترجمة حتى تكون الترجمة مدخلاً لإثراء المعارف المختلفة والحديثة للغة العربية وقد أشرنا فى مقال سابق إلى ملاحظات أولية حول الفروق الظاهرة بين اللغة العربية واللغة القرآنية ومعنى تواتر الآيات حول أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ومعناه إما أن يكون القرآن الكريم هو اللسان العربى المبين وأن اللغة يجب أن ترقى إليه وأن هذا اللسان العربى المبين يجب الإستفادة منه فى تغذية اللغة العربية على مر العصور خاصة وأن الدراسات الرقمية تفيد أن اللغة العربية المستخدمة حتى الآن لا تزيد على 3% من اللغة العربية القرآنية.