لعل سائل يسأل ما هي أوجه الاختلاف والتشابه بين أزمتي 2008 و2020 العالميتين وهل هناك دروس مستفادة من الأزمة السابقة تم تطبيقها في الأزمة الحالية ؟
المشهد الأول، شدة أزمة 2020 ووطأتها، والتي باتت تعرف بأزمة العزل الكبير ( The Great Lockdown) قياساً بأزمة 2008 أزمة الرهن العقاري ( The Mortgage Crisis) على الاقتصادات المتقدمة والصاعدة والنامية والفقيرة على حدٍ سواء،بالاعتماد على مؤشر نمو الناتج المحلي الإجمالي GDP والمعدلات السالبة التي قد تصل ما بين 5-10% والتي تؤشر انكماشاً لم يوجهه العالم منذ أزمة الكساد العظيم 1929 والتي استمرت لعدة سنوات، وقد تنجو من هذا الانكماش الصين والهند ولكن بمعدلات نمو متواضعة لا تتجاوز 5% للصين و3% للهند .
المشهد الثاني، والذي يكرر نفسه في هذه الأزمة 2020 من الأزمة السابقة 2008، ليشمل تدخل الحكومات في الاقتصاد ودور هذا التدخل في الحد من وطأة الأزمة و تقليص مدة الأزمة، وهذا ما تعلمه العالم منذ أزمة الكساد العظيم ( The Great Depression )،لذا بادرت الولايات المتحدة بحزمة إنقاذ لاقتصادها تتجاوز 5 تريليون دولار على موجتين الأولى 2.2 تريليون دينار والثانية 3 تريليون دينار، ومثلها فعل الاتحاد الأوربي، كذلك أعلنت المملكة العربية السعودية عن حزمٍ تحفيزية للاقتصاد السعودي بأكثر من 60 مليار دولار أي ما يعادل 8.6% من الناتج المحلي الاجمالي السعودي، إذ يتم الدفع بهذا الاتجاه و اعتماد التسهيل الكميكي تأخذ الأزمة الاقتصادية شكل حرف Vأو U أي هبوط لقاعٍ واحد ثم يعاود الاقتصاد العالمي الاتجاه الصعودي ، أما السيناريو الأقل تفاؤلاً هو أن يأخذ اتجاه الأزمة شكل حرف W إذا ما كان هناك موجة ثانية لهذا الوباء في الخريف القادم، لنصل إلى السيناريو التشاؤمي وهو اتجاه الأزمة بشكل حرف L أي هبوط لا يتبعه صعود إلا بعد مدة طويلة .
المشهد الثالث، إعادة ترتيب أولويات القطاعات الاقتصادية،بتوجيه الإنفاق العام نحو الصحة والتعليم كخيارات أولى بين القطاعات الاقتصادية الأخرى، وعلى حساب النفقات العسكرية و الصناعات الحربية.
المشهد الرابع، سوق العمل و هيكل الأجور والوظائف والمهارات المطلوبة،فسوق العمل قد يشهد تغيراً بنوعية الوظائف المطلوبة، ويشتد الطلب على الخدمات الطبية والتقنيات في مجال الصحة و البحث العلمي في هذا القطاع قد يتعزز ليجذب الاستثمارات نحوه بوتائر متسارعة مع اتجاه للوطنية التنافسية بين الدول بدلاً عن العولمة التعاونية بين دول العالم. واستكمالاً لمشهدنا هذا لابد من أن نعرج على هيكل الأجور ومستوياتها وأنظمة التأمين الصحي والاجتماعي. فقد كبحت أزمة 2008 مستويات أجور ورواتب الطبقة المصرفية العليا على مستوى العالم بعد أن تم تحميل العديد من مدراء المصارف العالمية، وزر الابتكارات المالية والمخاطرات العالية التي خاضوها بمحافظ مستثمريهم المالية ، مما أوقع العالم بأزمة مالية عالمية .
واستكمالاً على ما طرح فان تطوير المهارات المطلوبة يتطلب تغييراً في نمط التعليم التقليدي بالانتقال الى التعليم الالكتروني E-Learning ، رغم بعض التحفظات التي ترد على هذا النوع من التعليم فيما يخص جودته ودور الأستاذ ، ونوعية الطالب المتخرج ، وضبط الامتحانات ، ومدى توفر الامكانيات المادية والتكنولوجية لجميع الطلاب .
وعطفاً على ما ورد أعلاه في مشاهدنا نجد الكثير من ذوي الاختصاصات المختلفة يقولون إن عالم ما قبل جائحة كورونا لن يكون كعالم ما بعدها، فهل هذا من باب المبالغات و التهويل الإعلامي أو انه من باب الثقة بالقدرات العلمية الإنسانية و الحفاظ على البشرية وقيمها الإنسانية المكتسبة، أو أن هناك شيء نجهله يطبخ في مطابخ عالمية ويراد للبشرية أن تتبع خط سير جديد لها ؟
مهما كانت التساؤلات منطقية وعلمية أو بالعكس سطحية وانفعالية ، فإن المؤكد أن حكومات العالم و شعوبه لابد أن تتعلم من هذه الأزمة و أن لا تدعها تمر مرور الكرام كما فعلت قبل عقد ونيف و إلا ستجد نفسها في مواجهة أزمات أكبر و أخطر في قرننا الحالي من ألفيتنا الجديدة.