يوما بعد يوم يتسع نطاق غُربَتنا عن لغتنا الأصيلة، من طوفان الرقمنة الجارف بما له وما عليه، إلى هذا التشبع بالعامية، والاقبال على مواقع التواصل الاجتماعي، مرورًا بانتشار الهواتف والأجهزة الذكية، مع افتقار هذه التقنيات في معظم جوانبها حتى وقت قريب للغة “الضاد”، فأصبحت تعيش عَرَبِيَتنا حرب البقاء.
فقد نشأ عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، أسلوب مستحدث ليس له قواعد محددة تضبطه، يتواصل به الشباب عبر الدردشة عُرف “بالفرانكو آراب” أو ما يسمى “بالعربيزي”، تستخدم فيه الحروف اللاتينية للتعبير عن الكلمات العربية، وقد نشأ خلال الألفية الجديدة مع ظهور بعض خدمات الإنترنت، التي كانت لا تدعم سوى حروف اللغة اللاتينية في الكاتبة، ما أجبر البعض استخدامها، وبالتالي هذا الأسلوب وجد طريقه بين الشباب في ظل غياب حالة الحفاظ على أحد ثوابت ثقافتنا وهويتنا العربية، وانتشر كالوباء مخترقًا عقولهم، ويساهم لا محالة في تمييع لغتنا واندثارها.
ما أفرز ضحالة المفردات اللغوية وضعف المهارات الإملائية، وتردي الملكات التعبيرية لديهم، والأسباب تعددت ما بين انتشار الإنترنت، وغياب دور الأسرة ودور المعلم، والرغبة في التواصل مع غير الناطقين بالعربية، كما اعتبر الشباب حروفها تقليدية وعاجزة عن المواكبة، وغير مسايرة لعصر الرقمنة، مع عدم الاعتزاز بها والرغبة الذائقة في التميز وإضافة الوجاهة الاجتماعية.
يسيطر على عقول الجيل الحالى وبالتالى الأجيال التالية من شبابنا باعتبارهم آباء وأمهات المستقبل، كتابة اللغة العربية بأحرف لاتينية، تسهم فى تغريب المجتمع، واندثار روح وعمق وفرادة لغتنا، وتقطع الصلة بين شبابنا وعقيدتنا وتاريخنا وتراثنا العربي وأصالتنا، فهى ليست مجرد لغة، هي نقش غائر يحمل خصائصنا.
لغتنا شريعتنا التى لا تُضاها ولابديل عنها، حماها الإسلام فى قرآنه الكريم حية على مر الزمان، عصب الانصهار الاجتماعي والتجانس القومي، لذا وجب تضافر الجهود بين كافة أطراف المجتمع – أنظمة وشعوب – باتخاذ مايلزم لاشباع المحتوى الرقمي العربي بشكل أعمق في الاستخدامات الحاسوبية ومنصات الذكاء الاصطناعي، ومنصات وبوابات تشمل تطبيقات وبرامج معالجة اللغة العربية، تخزِّن وتعرض المحتوى السمعي والفيديو والبرمجيات، وصولاً إلى التعامل الأعمق مع اللهجات والترجمة، مع التحكم فى مقومات الرقمنة، وتطويعها لخدمة اللغة العربية والترويج لها، انتهاءً بالحفاظ على خصوصيتها الثقافية.