كنت أسمع بأن هناك لقاءات افتراضية يتبادلها بعضهم في عالم أصبح شاشة واحدة وهذا الأمر يحسب للتكنولوجيا التي قامت بتقريب البعيد وشدت أواصر الود، وتلك حالة إيجابية تستحق التقدير .
وهذا هو الحال مع الصالون الثقافي الافتراضي الثالث الذي نظمته مؤسسة الحياة المتزنة العالمية بالتعاون مع كلية اعلام البورك بالدانمارك تحت عنوان ( الإعلام بين معاول الهدم وأدوات البناء ) بحضور أكثر من 25 شخصية إعلامية وصحفية يمثلون مؤسسات إعلامية وأكاديمية مرموقة في العالم العربي عبر منصة زووم ليومي 25 ، 26 ديسمبر الجاري .
إستهل الملتقى بكلمة رقيقة للدكتور أحمد سمير رئيس ومؤسس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية، رحب فيها بالمشاركين في الصالون الثقافي الثالث مؤكداً أن مؤسسة الحياة المتزنة هي إحدى أهم المنابر والقنوات التي تسهم في ترسيخ مبدأ الحوار ونشر ثقافته، نهضت بأعباء إعلامية مهمة في مرحلة لم يكن الإعلام فيها قد اتسع نطاقه أو شهد المنعطف الذي يشهده. وقد أدت المؤسسة دورها في توثيق ثقافتنا وحفظت من تراثها الكثير.
ومن ثَم أدار الحوار المحاور والإعلامي العربي الدكتور محمد عبد العزيز الذي لم يلفت النظر بنتاجه الإعلامي فحسب، بل هو أيضاً القلم الذي خاض معترك الإبداع بصيغه المختلفة، وقد توقفت عند بعض ذلك الإبداع فخرجت بانطباع يؤكد أن صاحبه يقتحم باباً صعباً. غير أنه كما يبدو واثقاً من اجتياز ذلك الباب المهني بجدارة وحرفية. وقد أدار الحوار بنفس الحرفية التي حازت على تقدير وإعجاب الحاضرين .
وبدأت أعمال الملتقى بأوراق بحثية قدمها المشاركون في ساحة ثقافية إعلامية أخذتنا إلى شاطيء من الآلئ الاعلامية رغم اختلاف الآراء في دور الإعلام الجديد واتجاهاته المتعددة. و أدلى الجميع بدلوه بحرية مطلقة ناقلاً بعضاً من تجاربه الشخصية في العمل الإعلامي وبعض ما يعتريه من مشاكل وهموم .
واتسمت فعاليات الصالون بالتفاعل اللافت مع موضوع الإعلام والدور الحقيقي الذي يلعبه في المجتمع العربي، وقد سارت الآراء وفق مبدأ وحدة الموضوع ووحدة الدافع ووحدة الحدث فتميزت اعمدته ببنائها المتين المتكامل. فلم تكن الأوراق المطروحة منقطعة، بل متسلسلة الأفكار. وصبت النقاشات في صميم المحور المطروح، و حرص الحاضرون على ألا يقولوا كلمة إلا و فائدة منها. فكلٌ كان متيقظاً في طرح ورقته البحثية ومداخلته التي أغنتنا بالكثير .
ومع توالي الحديث، لآلئ من الإبداع الفكري متمثلاً بصحافة المواطن, الإعلام الجديد , المسؤولية الاجتماعية للإعلام العربي وسقف الحريات الصحفية , الذكاء الاصطناعي. أوراق بحثية أثارت نقاشاً وجدلاً محتدماً.تضاعفت فرحتي وأنا أجد نفسي بين إعلاميين وشخصيات طالما تاثرت بها وكانوا نبراساً أهتدي به في حرم صاحبة الجلالة، ومنهم كبير الإعلاميين العرب الأستاذ محمود المسلمي الذي طالما استوقفتني نبرات صوته عبر برنامج همزة وصل ذائع الصيت في فضائية البي بي سي، الصوت العربي الهادر الذي أكد في مشاركته على أن تطوير المنصات الإعلامية بحاجة إلى قرار سياسي بحت وهو ما اتفق عليه الحضور .
ومما يثلج القلب كذلك مشاركة شابات وشباب بأراء سديدة عكست واقعهم الإعلامي ومعاناتهم , مداخلات يشار لها بالبنان استشعرت حينها أن الدنيا لا زالت بخير و لا خوف على مستقبل الإعلام العربي .
وخلصت أعمال الصالون إلى حقيقة مفادها أهمية تكريس القناعة عند الجيل الجديد بأن على الصحفي السعي لجعل قارئه كشارب القهوة يستمتع بها رغم سوادها ومرارتها انطلاقاً من قناعة متجذرة في الوجدان بأن الصحافة الحقيقية لا تحيا بدون الإبداع، والحرية لو غادرتها فإنها تصبح قصاصات وكلمات بكم وخرس لا تشع ولا تضيء.