إن من عوامل نجاح العلاقة الزوجية و توطيدها، الأخلاق الحسنة ومن شجرة الأخلاق نقطف لكم أحد أجمل زهورها ألا وهو خلق الوفاء الذي يعد أفضل عنواناً للعلاقة الزوجية وأهم أدوات نجاحها، وفاء الزوج لزوجته ووفاء الزوجة لزوجها ، ويكون وفاء الزوج لزوجته بأداء حقوقها وإكرامها والإحسان إليها والاعتراف بجميلها و تقدير تضحياتها ، بينما يكون وفاء الزوجة لزوجها بأداء حقوقه و احترامه و تقديره وطاعته و الوقوف بجانبه و عدم نكران جميله .
إن الوفاء خلق فاضل وهو من صفات المتقين الذين امتدحهم الله بقوله “و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا” والزواج عهد و ميثاق غليظ بين الزوجين، قال تبارك و تعالى ” و قد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً” قال قتادة رحمه الله(هو قول الولي عند العقد زوجتكها على ما أخذ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، و في الحديث الذي رواه مسلم و فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال “اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله و استحللتن فروجهن بكلمة الله”
إن صور الوفاء بين الزوجين وأفراد الأسرة الواحد كثيرة، منها أن يوفي الزوج لزوجته ما اشترطت عليه عند عقد النكاح و ذلك لقول النبي صلى الله عليه و سلم:”إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ” فلو اشترطت المرأة على زوجها عند العقد أن تكمل تعليمها أو تستمر في وظيفتها أو ألا يسافر بها خارج بلدها أو أن يوفر لها مسكناً ووافق على ذلك فيلزمه أن يوفي به ، و ليحذر من أن يتساهل و ينكث بعهده أو بوعده لقول الله تبارك و تعالى :”يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” .
ومن صور الوفاء بين الزوجين أيضاً أن يحسن الزوجان معاملة بعضهما على كل حال في اليسر و العسر، في الغنى و الفقر ، في السراء و الضراء ، و من المؤسف أن تسمع شكاوى أزواج من أزواجهم يتغيرون في المعاملة بعد تغير الحال فالزوج يهمل زوجته إذا مرضت أو كبرت و هي في أمس الحاجة إليه، و الزوجة تكثر من التضجر و الشكوى و ربما ظهر منها العصيان و النشوز بسبب افتقار الزوج و قد كان كريماً معها دهراً، و صدق النبي صلى الله عليه و سلم حيث قال ” أريتٌ النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن ،قيل أيكفرن بالله؟ قال يكفرن العشير و يكفرن الإحسان ، إن أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط “.
إن في قصة أيوب عليه السلام أعظم العبر في الوفاء و الصبر،إنه موقف الزوجة الوفية الصابرة لزوجها، كان أيوب عليه السلام يعتمد على زوجته في أموره كلها و قد لبث في مرضه بضع عشرة سنة ، و رفضه القريب و البعيد و لم يقف بجواره إلا زوجته الوفية الصابرة ، فما أحوجنا إلى الوفاء !
إن من صور الوفاء حفظ الأسرار ، النبي صلى الله عليه و سلم يقول:” إن من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأة و تفضي إليه ثم ينشر سرها” ، إن من أقبح الأشياء أن يفشي أحد الزوجين أسرار العلاقة الزوجية ، المرأة تجلس مع صديقتها أو أخواتها فتبيح بما يدور بينها و بين زوجها ، و الزوج يجلس مع أصدقائه المقربين فيبوح بما يدور بينه و بين زوجته في خلوته و هذا من أشر الناس عند الله يوم القيامة .
إن من صور الوفاء بين أفراد الأسرة الواحدة إقالة العثرات و التغاضي عن الهفوات و التجاوز والعفو ، فالحياة لا تصفو و العبرة بكثرة المحاسن ولله در القائل : و من ذا الذي تٌرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تٌعد معايبه – إنها أخلاق ينبغي أن تسود بين أفراد العائلة الواحدة والأسرة بحاجة ماسة إليها ، و هل تفككت الأسر و بذر فيها الشيطان بذور الشر و الفرقة و الخصام إلا بتعداد الزلات و تتبع الأخطاء .
ومن يتتبع كل عثرة يجدها ما يسلم له الدهر صاحب ، إذا كان الزوج متتبعاً لأخطاء زوجته و الزوجة مترقبة لأي زلة من زوجها و الإخوة ينتظر كل واحد منهم أخطاء الآخر فكيف سيكون حال الأسرة ؟ لن تصفو للأزواج عشرة و لن تطيب لهم حياة و لن يصفو للإخوة ود ، إنما تطيب العشرة و تسعد الحياة بين الأزواج مع بعضهم و بين الآباء و الأمهات مع أولادهم إذا فشى فيهم خلق التغافل عن الأخطاء و غض الطرف عن بعض الزلات لا سيما التي تصدر من غير قصد و لا تكرار و رب كلمة صادقة مخلصة تصلح ما لا يصلحه السب و الشتم إلى غير ذلك.
إن نبي الله يوسف – عليه السلام – لاقى من الأذى الكثير ، ألقي في غياهب الجب ، لبث في السجن بضع سنين ، بيع بثمن بخس و عندما اجتمع مع إخوانه قالوا له تالله لقد آثرك الله علينا و إن كنا لخاطئين ، فماذا فعل يوسف عليه السلام بعد إقرار اخوته بخطئهم ؟ أعرض يوسف عن الماضي و طوى صفحته و قابل ذلك كله لم يكتفِ بالصفح و العفو بل قرنه بالإحسان إليهم فقال لهم كما قال الله: “لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين ” ، و من حسن أخلاقه عليه السلام لم ينسب إليهم ما فعلوه به بل نسبه إلى الشيطان فقال ” من بعد أن نزغ الشيطان بيني و بين إخوتي “.
ما أحوجنا إلى شيوع خلق الوفاء بين أفراد الأسرة جميعهم لاسيما بين الزوجين ليعلموه لأبنائهم ومن ثم يشيع هذا الخلق بين أفراد المجتمع بأسره. إن الوفاء خلق جميل كفيل أن يكون سبباً رئيساً في نجاح العلاقة بين الأزواج وبالتالي سبيل لإسعاد الأسرة والمجتمع .