لقد لفتت كلمة (المعروف) نظري وفكري في آيات الطلاق، كما هو مشاهد بأن الطلاق يعتبر نهاية الحياة الزوجية عند كثير من الناس، ودائماً يخرج الزوجين من الطلاق بمشاكل لا حصر لها ويتدخل فيها القريب والغريب، وللطلاق ضحايا أولهم الزوجين وثانيهما الأبناء وثالثهما الأقارب سواء من الدرجة الأولى أومن الدرجة الثانية، والأبناء هم الأكثر ضرراً من الطلاق ، أما البقية فإن ضررهم أخف، فالزوج أو الزوجة غالباً ما يبحث كل واحد منهما عن حياة أفضل مع شريك آخر، أو قيام أحدهما بالتضحية والعيش من أجل الأبناء، وغالبا التضحية تأتي من الزوجة، وهنا قد يكون ضرر الأبناء أخف لأن أحد الزوجين احتضنهما، وفي هذه الحالة يكبر الأبناء وهم ناقمين على والدهم، و من الجانب الآخر إذا ذهب كل من الزوجين يبحث عن حياة أخرى مع شريك آخر هنا تحدث المصيبة الكبرى، حيث يتشتت الأبناء بين الأب والأم، وإحساس الضياع ملازمهم، وفي هذه الحالة يكون الأبناء الأكثر ضرراً، منتظرين حل لهمـا، وفي انتظار الحل تمر الأيام ويتفاقم الضرر لدى الأبناء مما يجعل بعض الأبناء يسلك سلوكاً عدوانياً ليس مع الذين كانوا سبباً في إيجاده في هذه الحياة وانما يمتد كرهه للمجتمع كله، وهنا يظهر الأبناء الذين يسلكون طريق الإجرام بكل أنواعه والذي يبدأ من السرقة إلى القتل أحياناً ، وتستمر المشاكل إلى أن ينتهي بهم الحل في المصحات أو دور الأحداث أو السجون، وقليل ما يسلم ويجد من يأخذ بيده لبر الأمان. وهنا وقفت وبدأت المقارنة بين جعل (الزوجان) (المعروف) بينهما كما أمر الله تعالى في آيات الطلاق، فتسألت ما هو المعروف الذي طلب الله عز وجل بجعله بين الزوجين في كل أحوال الطلاق؟ هل عندما يطلق الرجل زوجته يكون بينهما معاملة بالمعروف؟ وهل في الطلاق معروف؟ وكيف يعامل الزوج زوجته بعد الطلاق بالمعروف وقد تكون الزوجة هي السبب في هذا الطلاق؟ وهل أصلاً بعد الطلاق هناك معروف؟ كل تلك الأسئلة وغيرها الكثير دارت في رأسي وأنا أقرأ آيات الطلاق. فما هو سر تكرار كلمة المعروف في آيات الطلاق؟ للإجابة عن تلك الأسئلة نعرف كلمة (المعروف) في اللغة والاصطلاح أولاً: المعرفة والعرفان: إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، و المعروف في الشرع: كل ما يعرفه الشرع ويأمر به ويمدحه ويثني على أهله، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وفي مقدمتها توحيد الله عز وجل والإيمان به، (المعروف) : الجود : النصح وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم : اسم لكل فعل يعرف عقلاً وشرعاً حسن وهو ضد المنكر، و في اللغة، اسم مفعول من عرف الشيء: أدركه، وهو، في الاصطلاح، المعرفة، أو الفعل المعلوم. يَقُولُ ابْنُ الْأَثِيرِ: (الْمَعْرُوفُ) اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، وَكُلِّ مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ مِنَ الْمُحَسَّنَاتِ، وَنَهَى عَنْهُ مِنَ الْمُقَبَّحَاتِ.وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ، إِذَا رَأَوْهُ لَا يُنْكِرُونَهُ، ففي آية (263) من سورة البقرة في تفسير الجلالين،﴿قول معروف﴾ كلام حسن ورد على السائل جميل، من تلك التعاريف والمعاني لكلمة (المعروف)، ندرك مدى عناية الله سبحانه وتعالى بالحياة الزوجية والمحافظة عليها حتى بعد الطلاق، وجعل حبال الود ممتدد بين الزوجين حتى بعد الطلاق، وهذا ينبه لعدم قطع حبال الود بين الزوجين حتى لا يضيع الأبناء وهو من المعاني الخفية، التي تدرك بالتفكير والتدبر والإحساس بذلك يلاحظ في الآيات التالية:
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ( ﴿٢٢٨ البقرة﴾ أي من غير ضرر
(الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ( ﴿٢٢٩ البقرة﴾ (بمعروف﴾ أي من غير ضرار.
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴿٢٣١ البقرة﴾ أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴿٢٣١ البقرة﴾ (فأمسكوهن﴾ بأن تراجعوهن ﴿بمعروف﴾ من غير ضرر
فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴿٢٣٢ البقرة﴾ إذا (تراضوا﴾ أي الأزواج والنساء﴿بينهم بالمعروف﴾ شرعاً.
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴿٢٣٣ البقرة﴾ (وكسوتهن﴾على الإرضاع إذا كن مطلقات،﴿بالمعروف﴾ بقدر طاقته.
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴿٢٣٣ البقرة﴾من غير ضرر.
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴿٢٣٤ البقرة﴾ في ما فعلن في أنفسهن من معروف﴾ شرعاً كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها. وَلَٰكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴿٢٣٥ البقرة﴾ (أن تقولوا قولاً معروفاً﴾ أي ما عرف لكم شرعاً من التعريض فلكم ذلك و(قول معروف﴾ كلام حسن ورد على السائل جميل.
وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ﴿٢٣٦ البقرة﴾ متاعاً﴾ تمتيعاً﴿بالمعروف﴾ بالجميل كطيب النفس.
وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴿٢٤١ البقرة﴾﴿وللمطلّقات متاع﴾ يعطينه ﴿بالمعروف﴾ بقدر الإمكان
هل بعد ذلك لو جعل كل من الزوجين (المعروف) بينهما، هل سوف تكون هنالك مشاكل وأبناء في مهب الريح، بل العكس سوف تحل جميع المشاكل ومن بينها ضياع الأبناء لأن الزوج قائم بواجبه تجاه أسرته حتى بعد الطلاق مما يُشعر الأبناء بأن حبال الود مازالت بين الأم والأب مثلما كانا مع بعضهم البعض، مما يؤدي لإزالة الكراهية من نفوس الأبناء، وهذا هو الذي تحث عليه آيات الطلاق بأن يدعو الله سبحانه وتعالى من خلالها إلى التمسك بالمعاملة الحسنة وعدم إضرار أحدهما بالآخر لكي لا يضيع الأبناء. و هذا المقال حجر في بركة الطلاق وما ينتج منه من آثار.