ان اعتقدت أن مقالتي سياسية فذاك شأنك.. وإليك القصة…
منذ ما يقارب الأربعين سنة كان لي أصدقاء دراسة في الجامعة من مختلف الجنسيات، وكانت لهم هوايات متعددة، لكن الجميع تقريبًا كان مولعًا بلعبة الشطرنج، لاعبين أو متفرجين، كنا ننتهز أي فرصة للذهاب إلى كفتيريا الجامعة لممارسة لعبتنا المفضلة، إلا أن احد الطلاب ويدعى «عبدالله» كان محترفًا في اللعبة، وقد حقق بطولات إقليمية ودولية، كان ايضًا متفوقًا في المواد العلمية بشكل ملحوظ، ومتميزًا بطريقة تفكيره، ويتمتع بذاكرة قوية.
ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فإن لعبة الدامة المشهورة من قديم في الخليج قريبة بعض الشيء من لعبة الشطرنج من ناحية التخطيط والإستراتيجية إلا أن أحجارها متساوون في القيمة مع بداية اللعب حتى يتمكن أحد اللاعبين من أن يوصل احد أحجاره ليصبح «شيخًا»، أما الشطرنج فالمسميات والمواقع معروفة مسبقًا ولا يوجد مجال للخطأ أو تبادل الأدوار.
لم يكن صاحبنا «أبوعابد» يستسيغ لعبة الدامة ولم يجد فيها نفسه، بل كان متمكنا من الشطرنج لدرجة أنه لا يجلس امام منافسه كما يفعل اللاعبون بل يلتفت للجهة الأخرى ويغمض عينيه متخيلًا الرقعة ويطلب من احدهم ان يحرك الأحجار بدلًا عنه، ويستمع لتحركات الخصم، ويضل متخيلًا وحافظًا للرقعة وما عليها من تطورات، وما هي الا دقائق معدودة حتى تسمع منه كلمة النصر المشهورة في اللعبة «كش مات» وسط دهشة الجميع.
البعص كان يحاول تشكيك «أبوعابد» في ذاكرته ومخيلته، لعله يتردد في موقفه أو يتخذ قرارا مبنيا على تصور خاطئ لتموضع بيادق الخصم، ورغم كل المحاولات لتثبيط همته وتشتيت انتباهه، إلا أنه كان يصر وبكل ثقة على موقفه، ثم يرفع صوته بانفعال لطيف محاولًا إسكات كل الأفواه قائلًا: «كش مات… يا عرب»، يعني افهموها اللعبة انتهت وانا كاشفكم ومتأكد من موقفي، ولا ألتفت لما تقولون وما تهرطقون أيها الأصدقاء.