بودى أن تجرى مراكز البحوث الاجتماعية دراسة حول أثر نظام الحكم على أمراض القلب. وأمراض القلب هى مايصيب القلب فى وظائفه الحيوية، وهى من أولى الأسباب المؤدية إلى الوفاة. وتلك هى الأمراض الجسمانية، لكن ما نقصده هو أمراض القلب من الناحية الدينية. فقد حذرت السنة النبوية المطهرة من أن أمراض القلب التى تحول بين الإنسان والجنة هى التى تضر بعباد الله مما يتصادم مع التزام الإنسان بأن يكون نافعاً للأرض والناس وفى ذلك تفصيل كبير.
ولاشك أن كل إنسان حريص على أن يتقبل الله عمله ويدخله الجنه ولذلك يعينه بحث هذا الموضوع. فقد ورد فى القرآن الكريم ونفسٍ وماسواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. وورد فى السنة أنه لايدخل الجنة من كان فى قلبه ذرة من كبر أو حقد أو حسد وكلها ضارة بخلق الله. وبوسع الإنسان أن يدرب نفسه على تنقية قلبه.
وقد لاحظت أن هذه الأمراض ترتبط ارتباطاً كبيراً بطبيعة نظام الحكم من خلال الاهتمام بهذه الأمراض عند من يعيش فى ظل نظام ديمقراطي ودولة قانونية ومن يعيش فى ظل نظام استبدادى شمولى ودولة مافياوية. وفهمت أن الله سبحانه أنزل الشرائع على الشعوب المتخلفة تعويضاً لها عن حكم القانون الذى تفتقده، وأن هذه الشرائع لم تفلح فى إصلاح قلوب هذه الشعوب.
وقد توصلت إلى نتائج مدهشة بمجرد متابعة هذه المسألة فى المجتمعات الديمقراطية والمجتمعات المتخلفة. فمن الناحية الدينية قيض الله سبحانه وتعالى النصر والازدهار والسكينة للدولة والأفراد الذين يجيدون استخدام وسائل تحقيق النصر والتقدم والازدهار، أما من يحسبون أنفسهم أتباع الشرائع وتفترق سلوكياتهم عن نصوص هذه الشرائع فإنهم تاريخياً هم الفقراء المعوزون طالبو العون من غيرهم والعالة على غيرهم وهم الذين يعانون من الفساد والاستبداد والظلم والاحتلال والاستغلال.
فالمجتمع الديمقراطى يتمتع بالحرية للتعبير عن نفسه وإظهار ملكاته والاستمتاع بثمار هذه الحرية وخاصة حرية التعبير والنقد للحاكم على أى مستوى ويمارس حق المعرفة وحق تشكيل الرأى وحق التعبير عنه وحق السلطة بالاهتمام برأيه ولذلك يشعر فعلاً أنه عضو فى المجتمع ويهمه كل أفراد المجتمع، ومن حقه أن يحلم وأن يرتقى بقراراته حيث يتمتع بالحق فى تكافؤ الفرص.
صحيح أن الفرد يولد مساوياً لأقرانه ولكن وضعه الاجتماعى يتحدد بوضع أسرته، ولكن فى المجتمع الديمقراطى يستطيع كل فرد أن يستخدم قدراته ويطورها فيختار الوضع الذى يريد فى المجتمع ولايفرض هذا المجتمع عليه وضعاً إجبارياً فلا يصاب بالاكتئاب وإذا عبر يمارس حقه فى التعبير والنقد والتصحيح والمجتمع يساعده على ذلك، كما يحترم مواقفه الشخصية وأحواله الخاصة.
أما الكذب والنفاق فلا وجود لهما فى المجتمعات الديمقراطية، لأن الكذب والنفاق لايكونان إلا حيث يخشى المواطن الصراحة وقول الحق فيضطر إلى التكتم والالتواء. بل وامتداح جلاده مما يؤدى فى النهاية إلى إنتاج أجيال لا مصداقية لها، فلا هى فيما بينها يصدق بعضهم بعضاً ولا يثقون بالحاكم من باب أولى ولكن ينافقونه ويمتد مدحه بما ليس فيه حتى يتقوا شره أو يطمعوا خيره فتعم الفوضى فى المجتمع ويخسر الفرد فيه دنياه وآخرته، فلا يقيم ديناً ولايعمل بموجب هذا الدين، أما المجتمع الديمقراطى فالفرد يتمتع بحرية العقيدة وحرية ممارستها.
فلا وجود للحقد والحسد فى المجتمع الديمقراطى لأن الجميع أمامهم تكافؤ الفرص وهم يملكون وطنهم بالتساوى، وإنما تنشأ دوافع المنافسة فى الرقى ما تقدم، ولايملك أحد أن يمنع غيره من تحقيق أحلامه.
فى مثل هذا المناخ تزدهر المشاعر الخيرة والإنسانية ، لأن طاقة العمل الخيرى موجودة بالفطرة فى الإنسان: والحكم الديمقراطى يحقق المساواة والتكافؤ والتكافل والتضامن ويعزز روابط المجتمع والاعتزاز بالوطن والاستماته فى الدفاع عنه وكلهم يحبون وطنهم ولايملك أحد مهما كان أن يتهم أحداً في وطنيته أو يوزع صكوك الوطنية.
وفى المجتمع الديمقراطى هناك اطئمنان للعدل والمحاسبة لكل مسؤول، ويصبح العدل بالقضاء مسألة طبيعية ويزداد الناس اعتزازاً بإنسانيتهم وبكرامتهم خاصة فيما يتعلق باستقلال القضاء.
والحق أن القانون الديمقراطى يضبط سلوك الفرد الخارجى ولكن قلبه مفعم بالحب للحياة والتقدم، ويطمئن إلى سلامة الحياة مما يرفع مناعته ضد الأمراض فلا شئ يهزم المناعة قدر القلق من المستقبل وانعدام العدل.فالمجتمع الديمقراطى يدفع الأعضاء إلى السعادة فى الدنيا والقبول فى الآخرة. فلا كبر ولا حقد ولا حسد ولا نفاق أو ضغائن ولكن المجتمع الديمقراطى لا يخلق الفضائل في الفرد وإنما إذا قرر الفرد أن يكون فاضلاً متحضراً فإن المجتمع يفتح الطريق إلى تحقيق ذلك.
أما وحشية المستعمر الأوروبى فى بلادنا فهذه قضية أخرى تحتاج إلى معالجة نفسية عميقة.
والشعور بالتعالى هو أعلى درجات الكبر وهو طبيعة فى النفس البشرية، والاستعمار يغذى هذا الاتجاه فى بعض ضعاف النفوس. وعلى كل حال تختلف الشعوب عن الحكومات فى الدولة الديمقراطية.
الخلاصة أن الفرد في الديمقراطية يتمتع بالدنيا ويستبشر بالآخرة أما الفرد في الدولة المتخلفة المافياوية قد خسر الدنيا والآخرة إلا من رحم ربي.