من الأشياء التي تتعب المجتمعات الإنسانية على الأرض ، وتتجذر فيها فلسفة ارتكاب الخطيئة ، عدم وجود رؤية إنسانية حضارية للمجتمع يصنعها العقل الذي ميز الله – سبحانه وتعالى فيه الإنسان عن الحيوان ، وهنا تترتب على انعدام وجود الرؤية التي يقبلها العقل السوي ، شيوع طقوس الخطيئة التي يمارسها ورثة الشيطان من الأنس على الأرض ، وتحديداً ولاة الأمور، سواءً أكانوا رؤساء أو ملوك أو رؤساء وزراء أو أي منصب فيه قيادة إدارية سلطوية لأفراد المجتمع الواحد . إن أشكال التمرد الاجتماعية الحاصلة في المجتمعات التي تؤطرها المظاهرات العشوائية الهمجية هي من صنعت طقوس الخطيئة لنفسها ، واختارت شياطينها ليحكموها ظلماً وعدواناً ، ثم بعد ذلك تثور على صناعتها ، وكأن لسان حال الموقف يردد البيت الشعري : يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأـنت الخصم والحكم
أي مهزلة يرتكبها أفراد المجتمع في ظل غياب الرغبة الجادة في التغيير الحقيقي لواقعهم ، والغريب في الأمر الذي لا يمكن أن يتقبله العقل تنويع هؤلاء الولاة في طقوسهم للخطيئة ، لكن تبقى الحاجة الحيوانية التي أودعها الله – عز وجل في الإنسان وهي ( الحاجة إلى الطعام ) من أرذل طقوس الخطيئة التي تستعمل تجاه الإنسان فثنائية الجوع والشبع أداة ضدية مهيمنة في ترويض الإنسان وكبح كل تطلعاته للتحضر والعودة به إلى التخلف والعصور البدائية ، فالدارس للمجتمعات البدائية ضمن علم الأرخنة بحسب ليفي شتراوس يلحظ مدى التطور الذي مر به الإنسان عبر العصور .
لقد أصبح الإنسان في وقتنا الحاضر أداة وحقلاً خصباً للعبودية عبودية الجوع والهوان ، والبدائية ، وتغيرت مفاهيم بناء الإنسان للحضارة ، فالحضارة اليوم تعني مدى امتلاكك للمال لا للقيم والمبادئ السامية التي كانت تدعو لها الأديان ، ولم تعد الدول العظمى حلاً لأزمات الشعوب بل تعمل على تقزيمها وسلب ونهب مقدراتها ، وتسليط الطغاة عليها لتفعيل طقوس الخطيئة فيهم أكثر فأكثر ، ولم يعد الإنسان بنية أو كيان متماسك يستطيع صناعة الحياة والواقع الجديد كما كانت الشعوب تردد ذلك :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
إن غياب التخطيط وتناسل حيتان الفساد ، وعدم الشعور بالمواطنة تجاه الأرض عمق جراح الشعوب ، فكثرت الأوبئة وصبت المصائب عليهم صباً ، يا ترى متى سيكون الإنسان بناء الله لعن الله من هدمه ؟