قد تدفع بالإنسان بعض موجات الحياة، فتتقاذفه يمنةً ويسرة، مبتعدة به عن الإبحار في الإتجاه الصحيح، فيعتقد واهماً، أو كما تخيل، أنه يجدف نحو الهدف، حتي إذا أوشك على الوصول، أو حط عصا (الترحال= الإبحار)، إذ به يري بأن وجهته كانت خاطئة من البداية، وعليه أن يعاود التجديف من نقطة البدء، حتي يتسني له الوصول، إلي الهدف المأمول. فالقاعدة تقول: إذا ضل البحار الطريق فإنه يجب أن يعود إلي نقطة البدء؛ ليتضح له الهدف من جديد.ولكن: هل هناك رحلات للاياب في عمر الإنسان المحدود القصير، تعود إلي حيث نقطة البداية؟! من المؤسف والمحزن أنها رحلة واحدة في الحياة، لا مكان فيها للإياب! فحاول جاهدًا مهما كانت الأسباب قاهرة، تصحيح وجهتك، وتحديد هدفك؛ حتي لا تندم ولات حين مندمٍ!
يقول شيخنا الغزالي – رحمه الله – : (الرجل المقُبل علي الدنيا بعزيمة وبصر لا تُخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرِّفه وفق هواها؛ إنه هو الذي يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها، كبذور الأزهار التي تُطمَر تحت أكوام السَّبْخ،ثم هي تشق الطريق إلي أعلي مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة! لقد حوَّلت الحمأ المسنون والماء الكَدِر إلي لون بهيج وعطرٍ فوَّاح. كذلك الإنسان إذا ملك نفسه، وملك وقته، واحتفظ بحرية الحركة لقاء ما يواجه من شئون كريهة، إنه يقدر علي فعل الكثير دون إنتظار أمدادٍ خارجية تساعده علي مايريد . إنه بقواه الكامنة، وملكاته المدونة فيه، والفرص المحدودة، أو التافهة المتاحة له يستطيع أن يصل الي هدفه الذي حدده. فلا مكان لتريث.إن الزمن قد يفد بعون يشدُّ به أعصاب المبحرين في أمواج الحياة، أمَّا أن يهدب المقعد طاقة علي الإبحار، فذاك مستحيل. لا تُعلق بناء حياتك ، وتحديد أهدافك على أمنية يلدها الغيب، فإنّ هذا الإرجاء لا يعود عليك بخير. فالحاضر القريب الماثل بين يديك، ونفسك هذه التي بين جنبيك، والظروف الباسمة أو الكالحةالتي تلتف حواليك، هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنها مستقبلك. فلا مكان لإبطاء أو إنتظار).
ومضة نور: ما أعجب تركيب الإنسان: فينا القوة إلي حد العظمة والتضحية.. وفينا الضعف أحياناً إلي حد الحقارة والأنانية.