هل يمكن أن يصبح الضحك علاجاً..؟
يراودني السؤال بعد أن حاولت مراراَ أن أفهم الآلية التي يشترك بها العقل والمزاج معاً في مواجهة تفاصيل الحياة، التي لا تكاد تتفق بين اثنين على وجه الأرض، نظراً لاختلاف المقومات الفكرية والجسدية والمادية بين البشر، ولأن الضحك يرتبط بمسألتي الشعور واللاشعور في إطار التفاعل الاجتماعي بكافة أشكاله.
ورغم الكثير من الدراسات المعروفة باسم العلاج السلوكي الإدراكي (CBT ) التي يدخل من خلالها الضحك كوسيلة لعلاج حالات الاكتئاب والقلق بعيداً عن العقاقير، إلا أن مسألة الضحك تدور في حلقات كثيرة محيرة على طاولة الفلاسفة والأدباء والسياسيين والمفكرين من جهة، والعوام والبسطاء من الناس من جهة أخرى..!!
يقول جوناثان ميلر في فلسفة الفكاهة: أن الضحك تسلية مجانية للعقل تريحنا من سلسلة الأفكار الروتينية وتخفف من استبدادها حتى لا نصبح أسارى لها.. (يعني لو الدنيا مش ماشية معاك إضحك عليها..!!)
وكأن الضحك سيتحول من مجرد حركات عضلية إلى انقلاب واعٍ متمرد على واقع ما، لا يواجه بالطرق العادية، فهذا العامل الذي يفرغ يومياً أطناناً من السكر، رجع يوماً بثيابه البالية للبيت وهو يجر خلفه الكثير من المطلوبات والآلام التي يواجهها -يومياً على الأقل- في سبيل لقمة العيش الكريم، ولما دخل البيت طلب من زوجته أن تعد له كوباً من الشاي، فالشاي المتقن وسيلة فاعلة لتحسين المزاج، أو هكذا يعتقد.. هذا البيت الصغير المثقل بأعباء الحياة، كان يجد من كوب الشاي ملاذاً للتمرد على قيود الروتين، وفوق دولاب قديم أخذت الزوجة علبة السكر الخشبية المزخرفة بألوان جميلة لتضيف مكعبين لكوب الشاي.. نعم، هكذا ستبدأ النكهة تنسجم مع لحن الحياة، ستغير من ضربات القلب المضطربة، وتهدئ من التوتر والأعصاب المشدودة جراء مواجهة الحمقى طوال اليوم.. وما إن فتحت الزوجة العلبة تفاجأت أنها فارغة، مظلمة، خاوية على عروشها، فنظر إليها الزوج وصمت قليلاً ثم قال: اليوم تحديداً أفرغت مئات الأطنان من السكر خلال عملي في المصنع، ولا يوجد في بيتي قطعة سكر واحدة، وانفجر الزوجان من الضحك، فعلاً.. شر البلية ما يضحك…!!
ربما تتوافق ردة فعل الزوجين بما قاله فرويد في كتابه: النكتة وعلاقتها بالشعور: (Jokes and their relation to the unconscious )، بأن الضحك وسيلة للتحلل من رقابة الأنا الأعلى، فهي اقرب ما تكون للأحلام التي يهرب فيها الإنسان من وعي الصحو ومنطقة اليقظة، بأسلوب لاشعوري يدخل فيه الإنسان لتخفيف حدة الإحباط الذي تحس به الذات تجاه الواقع، فترجعنا الضحكات إلى مرحلة الطفولة والحرية قبل وعينا بسلطة الرقيب ( سلطة المجتمع) وما يغرسه فينا وهو الأنا الأعلى..
أعرف نوعاً آخر من الضحك هو انعكاس لزاوية واحدة من الوجه ممزوج بالكراهية، عند رؤية أحدهم يسقط، وهو ما يعتبره الفيلسوف توماس هوبز ناشئاً من الشعور بالتفوق عند رؤية شخص يقع في مأزق، وهو امتداد لشعور المجد المفاجئ، هي ذاتها الملامح التي تظهر على وجوه الذين {يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
وهناك نوع من الضحك المحرَم، لا أعني بذلك الضحكات السبع التي أدت إلى ولادة العالم -كما ورد في لوح بردى يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد عن الآلهة في مصر، ولا ضحكات الكوماري ( إلهة نيبال الحية) التي لو رأيتها يعني أنك ستموت.. أو أن كارثة ستنزل عليك..!! وإنما أقصد نوعاً من الضحك الذي يمكن أن يكون سلاحاً يودي بصاحبه إلى العقاب أو الهلاك، كما في رواية (المزحة)، ولا أعتقد أن واحداً منا يحب أن يموت من الضحك..!!
البعض يعتبر أن العضلات التي تتحرك في الوجه والفك أكثر من تلك التي تتحرك عندما تبكي، لكن ماذا نفعل مع الوجوه الإسمنتية؟ إذن ليس لي مصلحة في حقن البوتكس والفيلر، ولن أضحك بطريقة مصطنعة، فأنا احتاج لوجهي في كل الأحوال، (I need my face )..!!
وسأستثني من مقالتي تلك الضحكات الساخرة التي تعثرت بتهكمات سقراط وأرسطو، وحتى ضحكات تشارلي تشابلن المراوغة القادرة على إخفاء القدرة الحقيقية للمحاورة والتظاهر بعكسها..!!
نعم، أنا أعني (الضحكة التي من القلب)، التي تستطيع أن تحول الدموع إلى قطرات من الندى الملتصقة بوجنة تلك الصبية التي تراقب من شباك غرفتها اكتمال القمر.. أو تلك الضحكات التي امتزجت بشعور الصدمة من الفرح من زوجة سيدنا إبراهيم لمعجزة طال انتظارها: { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، أو شعور الشكر على كثير الهبات والعطايا من حديث النملة وقد سمعها سيدنا سليمان، فأوقف الجيش بأكمله: { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.. هنا برأيي يكون الضحك علاجاً..