شبابنا وانحدار العربية

on 30 October 2015, 08:59 AM

بقلم : محمد عبد العزيز 

في نطاق العولمة ، ومافيا التغريب التي أصابت مجتمعاتنا العربية في السنوات العشر الأخيرة بات كل شيء مباحاً ، وغير شيء اصبح له مبررات ، كثيرا ما تكون هذه الأشياء واهية لكونها تحمل في طياتها غرض والغرض مرض .

أكتب حول ظاهرة تغريب لغتنا العربية والعبث بمقدراتها والانبطاح لأساليب دخيلة  ، منها ما هو مبتدع وفيها ما هو متبع للغرب . وما أدراك ما نوايا الغرب في انكسار الأمة العربية وطمس معالم حضارتها المتمثلة في اللغة العربية التي تعد وعاءً حاضنا للفكر ومرآة للإنسانية  تعكس مفاهيم التخاطب بين الناس. 

راجت  في الآونة  الأخيرة أساليب جديدة للتخاطب بين شبابنا تقزم من آليات اللغة العربية وتعظم من نبرات جديدة دخيلة على مجتمعاتنا من مثل  ” اشطة – فحت –  بتحور – بيس  –  مان  – موزة ” وغيرها من الكلمات التي يحلو للشباب والفتيات أن يسمونها اللغة السريعة للتفاهم ،  وهم لا يدرون أنهم بذلك قد وقعوا فريسة سهلة لتغريب اللغة الأم  .

ومن الآثار السلبية لذلك على المجتمع ضياع لغة القران ومن ثم البعد عن تعاليم الدين شيئاً فشيئا وانحدار القيم والمبادي السامية جريرة البعد عن كتاب الله منهاج المسلم . الخطب جلل فبعيد سنوات من شيوع هذه الأساليب سنصل الى نتائج كارثية على المجتمعات العربية .

الغريب أيضا أن  لغة الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هجين بين العربي والإنجليزي تارة وبين الأرقام والحروف تارة أخرى وأصبح البعض يزهو أثناء الحديث بذكر كلمة إنجليزيه بين كل خمس كلمات عربية معتبرا إن ذلك مبعث فخر ، وهو لا يدري انه يعمق جراح لغته العربية التي  تلقاها سيدنا آدم من قبل الله عز وجل في مهد الحياة , وكان أول من نطق بها نبي الله إسماعيل نقلا عن صهره يعرب بن قحطان  من قبيلة جرهم .

إنه تشريف كبير للغة العربية ان ينزل بها الله خاتم كتبه ” القران الكريم ” وهو من أعظم الدلالات على عظم شأنها .

ويجب أن يفكر شبابنا ويقرأون بتدبر عن تاريخ هذه اللغة التي يلقون بها في عرض البحر ويستخدمون أساليب اقل ما يقال عنها أنها مبتذلة ، ادعوهم إلى التفكير لماذا  اختار الله سبحانه وتعالى بحكمته وعلمه  العربية لغة وبيانا لكتابه  الخاتم الخالد ، الجواب لأن هذه اللغة فيها من مزايا التعبير والبيان ما لم تحظ به لغة غيرها ، ولن يسع كتاب الله غيرها ، ولو كان في الوجود لغة أفضل من اللغة العربية في الكشف عن دقائق البيان وأسرار التعبير ، ما جاوزها القرآن إلى غيرها ، ولكن نزوله باللغة العربية دليل قاطع على عظمها وسبب وجيه يدعونا للتمسك بها  .

كما أن دلالة عظمها أيضا تكمن في  اختيار المولى سبحانه وتعالى لها لتكون  أداة لوحيه المنزل على أكرم رسله محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – 

وعربية اللغة والبيان القرآني جاء النص عليها في مواضع متعددة من القرآن ، منها قوله تعالى :

  “الر تلك آيات الكتاب المبين ”  – ” إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”   ، وقوله تعالى ” كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ” ، وكثير من اي القرآن فضلا عن أقوال الشعراء العظام ومنهم   ما قاله حافظ إبراهيم عن اللغة العربية :

  أنا البحر في أحشائه الدر كامن     فهل سألوا الغواص عن صدفاتي .

هذا التشريف العظيم لهذه اللغة يستوجب منا نحن العرب أن نحافظ عليها و نقويها  ، و نجعلها لغة معاصرة بكل المقاييس ، و أول ما ينبغي علينا فعله ، إتقان قواعدها  والزب عنها ضد من يحاول تغريبنا بتغريبها .

والمعروف أن ” العربية ” لها خصائصها الفريدة وسماتها المميزة عن غيرها من اللغات ، والتعبير العربي يحمل في طياته من الدقة والبراعة بحيث يختلف المعنى عند استخدام التأخير أو التقديم ، كما أنها تختلف عن غيرها من اللغات في تكوين الجملة نفسها كتقديم الفعل على الفاعل ، والموصوف على الصفة ، وغير ذلك مما يعرفه محبي “العربية  ”  .

فمن حق هذه اللغة علينا أن نخلص لها و نعنى بتعليمها لأطفالنا و شبابنا و أن نكرمها بالدراسة و نتعرف على ما يكتنفها من صعاب ونسعى لتذليلها و نضع الأساليب الحديثة لتعليمها كسائر اللغات الحية الحديثة.

إن اللغة هي مرآة لثقافة وقيم  متحدثها ، ونحن في مجتمع تعرض لاغتصاب  قيمه، حتى اصبح يرى في  العربية الفصحى أنها تقليدية، وأن اللغة الأجنبية هي القادرة على إظهار المستوى العالي وإتقانها أهم من اللغة العربية.

إن اللغة المستخدمة بين أوساط الشباب مؤخرا ظاهرة اجتماعية أكثر منها لغوية، ونوع من أنواع التمرد تعبيرا عن رفضهم لبعض جوانب المجتمع.

ومن الحديث عن عظمة اللغة العربية وسرد مدلولات ذلك  الى بحث أسباب لجوء  كثير من شباب هذا الجيل إلى أساليب ملتوية في التخاطب والتحاور مع بعضهم البعض في هدر واضح لهذه اللغة . اذ  لابد من بحث أسباب ظاهرة انتشار تلك اللغة الجديدة بين شباب هذا الجيل واثرها على المجتمع وسبل العلاج المقترحة لرتق هذا الفتق الذي يتسع بيننا كل دقيقة جراء سرعة انتشار هذه الأساليب الحوارية بين أبنائنا  كسرعة انتشار النار في الهشيم .

 أسباب الظاهرة:

أولا :  أساليب التعليم في العالم العربي التي  ما فتئت تقدم اللغات الأجنبية على اللغة العربية وترفع سقف الاهتمام بالانجليزية والفرنسية على العربية حتى في كثافة إنشاء المدارس الأجنبية ،  حتى إن مجتمعاتنا أضحت تبجل كل ما هو اجنبي وتحط بكل ماهو عربي .

” ليه اللي جايلك اجنبي عارفة عليه تطبطبي وتركبي الوش الخشب وعلى اللى منك تغضبي “

ثانيا : يعد الفراغ الاجتماعي والفقر الثقافي والاضمحلال الفكري والفجوات بين الأجيال المختلفة أهم أسباب انتشار ظاهرة الانحدار اللغوي والأساليب الوضيعة فى حوار الشباب مؤخرا، واتجاه قطاع عريض منهم  لخلق لغات مختلفة غير المتعارف عليها في التعامل فيما بينهم.

ثالثاً : النشأة والتربية الأسرية التي يفترض أن تحمل عبء خلق جيل صالح، لم تقم بدورها على الوجه الاكمل ولم تحصن ابنائها جيدا حتى يتمكنوا من رفض غزو هذه الثقافات  لألسنتهم وعقولهم ،  ورغم رفض الاباء والأمهات لهذه الاساليب واستيائهم من هذه السلوكيات ، إلا أنهم استسلموا لهذه الكلمات والألفاظ التي تحمل إيحاءات وإيماءات غير لائقة فأصبحت تستخدم بشكل عادى في وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي.

إن تعاطي الأسرة  مع سلبيات الأبناء بشكل فج أدى إلى فشل التواصل بينهم، وجعل الشباب يخلق مجتمعا خاصا يستخدمون فيه ألفاظهم الخاصة بهم، وبطريقة تفكير تعبر عنهم، واستخدام شفرات في الحديث فيما بينهم إذا انتبهوا لوجود الآباء.

رابعا : انخفاض وانحطاط في المستوى الاجتماعي والأخلاقي، والاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي  خصوصاً “فيس بوك”  وهو العالم الافتراضي غير الرصين الذي تسبب في كوارث مجتمعية  .

خامسا ً: ضعف اهتمام المجتمعات باللغة العربية ، حتى سادت ثقافة طوعت للمؤسسات ان  تسأل المتقدمين للعمل عن اللغة الانجليزية أولا ومدى إلمامهم بمفرداتها ولا يعبأ باللغة العربية ، بل الأسوأ أن بعض علية القوم فى مجتمعاتنا يقللون من شأن المتحدثين بالفصحى ويسخرون منهم وأحيانا يصنفونهم تصنيفات سياسية ما ، رغم أنهم منها براء . هم فقط يعشقون لغة الضاد ، يحبون لغة القرآن ويتحدثون بها . لكن هؤلاء  ” العلية ” ذاتهم هم أحد أهم أسباب انحدار اللغة يوم أن انحدر شبابنا  فأصبحت  المصطلحات والكلمات الركيكة في نظرهم التطور والانفتاح على الآخر .

سادساً : وسائل الإعلام التي تسمح بمزيد من التشويه للعربية ففي الإعلام المرئي نفاجئ جميعاً  بمذيعين ومذيعات  لا يتقنوا اللغة العربية و لا تعنيهم  الأخطاء اللغوية الفادحة التي يقعوا فيها فضلا عن الأسلوب غير السليم الذي يشجع العامية و ما يسمونه بلغة الشباب ، فتحول دور الإعلام من الارتفاع باللغة وتكريس الاستفادة من مفرداتها لإيصال الفكر السليم إلى الناس،  تحول إلى التقليل من شأنها واستخدام المذيعين لمفردات ركيكة وأساليب متدنية أثرت على الشباب فبات لها مقلدا .

مخطئ من يوجه اللوم للشباب فقط في هذه الظاهرة ،  بل ان  المسئولية تضامنية ،  فعلى جيل الكبار أيضا تحدث ووجه اللوم وانتقد  ، فالآباء والأمهات وضعوا فجوة كبيرة بينهم وبين أولادهم، وما فتئوا يوجهون لهم  النقد اللاذع   وأحيانا يكون ذلك  من دون أية مبررات – وكاتب هذه الكلمات ليس بريئا بل اقر انني وقعت  في هذا الفخ يوما ما مع ابني الأكبر قبل ان اكتشف انني اخطأت وتداركت  ذلك وابني الحبيب .

هذه الأسباب مجتمعة وغيرها أنتجت شبابا لا يلقون بالا بلغتهم العربية  فلجئوا للبحث عن هجين أسرع في التخاطب فانزلقوا في هوة سحيقة هي تلك الأساليب المهترئة الشائعة في السنوات الأخيرة .

العلاج المناسب لهذه الظاهرة :

نعيش معضلة كبيرة والحل يكمن في العودة إلى الله سبحانه وتعالى وتعويد أطفالنا على التمسك بكتاب الله فهو الحافظ للغة العربية وتكاتف مؤسسات المجتمع المدني مع الحكومات  متمثلة فى وزارتي التعليم والإعلام فهما المنوطتين بحفظ اللغة وبتنقيح أساليب الحوار بين الشباب  ، كما لابد من تكاتف المتخصصين من أهل اللغة للدفاع عن اللغة العربية وعودة اللغة الراقية للحديث بين شبابنا .

نحتاج الى  تكاتف الجميع حكومات ومتخصصين واسر ، في محاولة لرأب الصدع الذى حدث فى عقول الشباب وضرورة خلق تواصل بين جيل الكبار والأبناء، وتقديم النقد لهم بطريقة إيجابية، والرجوع إلى القيم والأخلاق والثقافة التي نشئوا عليها.

كما على الأسرة  عبئ كبير نحو انتقاء كل ما يعرض على شاشات التليفزيون وعدم ترك ابناءها مطية لاعلام يلوث مسامعهم وعقولهم ، وعليها أيضاً  ان  تنمى اللغة العربية في أبنائها، كما عليها ان تتجنب التواصل معهم بنفس الألفاظ البذيئة التي يميلون لاستخدامها ومحاولة استيعابهم والتقرب منهم وإزالة الفجوات فيما بينهم، وضرورة إحياء معنى الانتماء في نفوسهم .

فلم يلجأ شبابنا الى هذه الأساليب الا لخواء ساحاتهم من النموذج الطيب والقدوة الحسنة ، فاتجهوا الي تقليد اعمى للفنانين والمطربين وذوي الفكر الضحل ممن يتصدرون المشهد على الساحة الاعلامية ، لذا لابد من انتاج قدوات ذكورية ونسوية جديدة تعيد لشبابنا روحهم المفقودة وعقولهم المسلوبة .

وعلى وسائل الإعلام بمختلف مشاربها أن تخشى الله في أبناء هذه الأمة وتراعى ضمائرها المهنية –  اذا كان قد بقي منها شيء –  وان تسعى لتحقيق ميثاق المسئولية الاجتماعية التي توجب عدم استخدام أي من الألفاظ الخارجة، على شاشات الفضائيات  او فى الصحف .

و على وزارة التربية أن تعود للاهتمام بمسابقات الخطابة والتعبير وفنون الشعر والإلقاء وتنشيط دور الإذاعات المدرسية والحرص على مشاركة كل التلاميذ في تلك الأنشطة ، كما يجب ان يعود المعلم ليمثل القدوة الحسنة لتلاميذه فى لغة الحوار . كما  على وزارة التربية أيضا أن تعمل على تطوير مناهج اللغة العربية لتصبح ذات مواد شيقة وهادفة وتحبب التلاميذ فى اللغة العربية .

كما يجب على أهل اللغة التفاعل مع برامج الإنترنت لتقديم وجبات اللغة  في أسلوب عصري خفيف ، ومن الممكن أيضا تخصيص يوم للغة العربية بمشاركة جميع المدارس والجامعات والوزارات وأجهزة الإعلام في محاولة جادة للاحتفاء والاحتفال بالفصحى وتقديم برامج إعلامية طوال هذا اليوم باللغة العربية مع تكريم معلمي اللغة العربية.

 وعلينا العودة الى الله ، وكتابه الكريم طوق النجاة ، للخلاص من كل مشكلاتنا وموضوع المقال أحدها .

تحياتي…