إن جوهر العبودية لله عز وجل وكامل تحققها يتجسد في طاعته جل وعلا والانقياد لأمره، فتتيقن جميع جوارح العبد بأن ليس له من الأمر شئ وأن الأمر كله لله فيخضع وينقاد الانقياد الكامل لله وحده، وبدون ذلك لا يكون عبداً حقيقياً.
فالانقياد لله والتسليم له هو روح الإيمان والملجأ من مصائب الدنيا، هو السبب المضمون للوصول للجنه، والتطبيق العملي للإيمان بكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله “صلى الله عليه وسلم”.
المؤمن الحق مذعن ومنقاد لله تعالى لا يراوغ ولا يجادل، بل يسمع ويطيع، قال تعالى “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم”
فلا شك أن صلاح دين العبد واستقامة إيمانه مرهون بتلبية أوامر دينه صادقاً من جوف قلبه، سمعاً وطاعاً” وخير مثال علي ذلك فعل إبراهيم عليه السلام إذ قال له ربه أسلم، قال أسلمت لرب العالمين، أمره ربه بالاخلاص والانقياد فأجاب إلي ذلك.
إن الانقياد والاستسلام لله علامة الإيمان مصداقاً لقوله تعالى” فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً”. كذلك فإن الاستسلام لأوامر الله نجاة من غضب الله، فالمستسلم لأمر الله في أمان من العقاب بل وله عهد عند الله وميثاقه ألا يعذبه أبداً.
ومع كل تلك الأهمية والمكانة التي أكدت عليها آيات محكمات نجد كثيراً من الناس في غفلة عنه فهو ليس مجرد كلمات تلوكها الألسنة بل لا بد وأن ينطبع علي الجوارح وأن تطبقه الأركان، وهو متعدد الصور والأحوال، فأبرزه الرضا بقضاء الله وتحكيم شرع الله، فما رغم عن تحكيم شرع الله إلا منافق،وقد كشف الله حالهم قائلاً “وإذا دعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون”.
وها هو رجل قد رضي بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ حرم عليه لبس الذهب، فقال سمعت وأطعت بل وأبى أن ينتفع بالذهب في غير اللبس رغم أنه متاح له، وتلك هي المحبة التي تخطت حد الانقياد والطاعة.
ومن صور التسليم لله أيضاً الاستجابة للأوامر ولو لم تظهر الحكمة فلو لم نتقرب إلى الله إلا بما علمنا من الحكم لما كنا مسلمين ولا منقادين، فليست كل الأوامر معروفة الحكمة، والمسلم الحق يلتزم الأوامر بلا قيد ولا شرط.
ويبقي شعار المؤمنين الصادقين سمعنا وأطعنا، كما فعل الفاروق عمر رضي الله عنه، فقد قبل الحجر الأسود قائلاً :أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يقبلك ما قبلتك.
ولقد ضرب لنا نبي الله إبراهيم عليه السلام أروع الأمثال في التسليم لله والانقياد، عندما أُمر بترك ولده وزوجه في الصحراء، فتبعته زوجته قائلةً :ياإبراهبم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي لا إنس فيه ولا شئ، قالت ذلك مراراً فلم يلتفت إليها، فقالت له آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت:لم يضيعنا.
وكذلك حينما أمره الله بذبح ولده إسماعيل فانصاع واتقاد هو ولده عليهم السلام.
وها هي السيدة عائشة تُسأل، ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.