رُهاب الأَخبار.. وأصداء كورونا

on 16 March 2020, 07:27 PM
د.محمد الزبن
بقلم: د.محمد الزبن

للأخبار أثر في النفس، لدرجة أنّ معظمَ الناس لا يقدرون على حياة دون الاستماع إليها، وفي لسان العرب: “تَوَدَّأَتْ عليَّ وعنِّي الأَخبارُ: انْقَطَعَت وتَوارَت”. فانقطاع الأخبار وأدٌ في نظر منتظريها. حتى قال الأول: إِذَا لَزِمَ الْقَوْمُ الْبُيُوتَ وَجَدْتَهُمْ … عُمَاةً عَنِ الْأَخْبَارِ خُرْقَ الْمَكَاسِبِ.

فالشاعر يصف فقدان الأخبار نوعًا من العمى، ومنعً من كسب الرزق. فخبر ورود القوافل استعداد للبيع والشراء، وأخبار الأقوام من حولهم كان مدعاة حركة وبركة. وقد جاء القرآن الكريم بأخبار الزمن بأبعاده الثلاثة: الحاضر له والماضي عنه والمستقبل له. وأكدت النصوص الشرعية على التأكد من صحة الخبر، مما يستفاد منه في ضبط صدى الأخبار، ومنع النتائج العكسية من تداولها.

إلا أننا نعيش زمنَ أخبارٍ، تشكل مخاوف لا ينبغي أن يصار إليها. مع أن اقتران الخوف بالخبر قديم، فأرسطو اليوناني يقول: “الخوف: ألم نابع من توقع الشـّر” ويحذر قائلا: “الشجاعة تقود إلى النجوم، و الخوف يقود إلى الموت”.

فأخبار تحمل طياتُها أنباءَ الأوبئة والمصائب، على العاقل التعاملُ معها باتزان حسبما يقتضيه الواقع، فلوكيوس سينيكا، يقول: “شيئان عليك أن تنفضهما عنك ، الخوف من المُستقبل، وذِكريات المتاعب الماضية، فهذا لم يَعُد يعنيك، وذاك لم يعُرض لك بعد”. وفي زمن الوباء يدخل القلوبَ خوفٌ هو أسوأ من الوباء، فيقول لوكيوس: “الخوف من الحرب أسوأ من الحرب نفسها”.

وبتوارد أخبار الكورونا، قد لا يحسن معدّ الأخبار صياغة النصّ، فيتملكه الخوف، أو السبق الإعلاميّ، أو تهويل الخبر، وغير ذلك من لزوميات المهنة، وحبّ انتشار المصدر المنتسب إليه، ناهيك عن ترجمة الخبر من لغة إلى لغة مما يؤدي إلى تهويلات مغرضة أو غير دقيقة.

وفي أيّ مرحلة كان الداء، فإن خطورته تزداد أضعافا ما لم نتعامل بروية معه. ويتساءل فاروق جويدة: “لماذا نُفكر دائمًا في نهايات الأشياء رغم أننا نعيش بدايتها!!؟. هل لأننا شُعوب تعشق أحزانها؟. أم لأننا من كثرة ما اعتدنا من الخوف أصبحنا نخاف على كل شيء، ومن أي شيء!. حتى أوقات سعادتنا نخشى عليها من النهاية”.

ومع الكورونا، تواردت أخبار داء ووباء وبلاء، ونسينا أنه ليس أول بلاء يحط رحاله على الكرة الأرضية. والمشاهِد المتناقلة ذات حدّين، فهي توعية للناس من خطورة انتشار الوباء، ومن ناحية أخرى تسبب خوفًا أشدّ من الوباء، كالذي أٌشير إليه آنفًا.

والخوف الحقيقي: فشلنا في ضبط أعصابنا، خصوصا شعوب الدول التي ما زالت –وستبقى إن شاء الله تعالى- في منأى عن ذلك الوباء. فلا لرهاب الأخبار، ولا للخوف مع الحياة والأمل، خصوصا في بلاد حباها الله أمنا وأمانا، وطمأنينة، وثقة في تعاون مستمر ومسيرة عطاء مستمرة، ويقين من أن ما أصابنا لم يكن ليخطأنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.