كان هذا عنوان مقالي الأسبوعي في جريدة الجمهورية الرسمية قبل ربع قرن وتحديداً بتأريخ 26-5-1996 بالعدد 9261 – صفحة شؤون الناس .
المقال تحدث عن قيام ابن عاق بخنق والده المعوق بالحبل بالاشتراك مع شقيقه وبعض أبناء عمومته في إحدى قرى محافظة الأنبار غربي العراق ، لأسباب تتعلق برفض المغدور تزويج ابنته من ابن اخيه . وقد شد الحادث الانتباه وأثار الدهشة والاستغراب والاشمئزاز بل والرعب في نفوس القراء وقتها ، بسبب ندرة هكذا جرائم يندى لها الجبين ، ولوجود تماسك اجتماعي وقيم عليا ومن ضمنها السلوك السليم القويم لأفراد الأسر وخصوصاً تجاه الوالدين .
كان هذا قبل سنين طوال ، لكن في أيامنا هذه وخصوصاً بعد غزو العراق في العام 2003 وخلال الفترة الأخيرة ، باتت هذه الجرائم التي تقشعر لها الأبدان وتثير الاستهجان ، تتكرر كثيراً من قِبل أبناء انتزعت من قلوبهم الرحمة ، وآخرها الجريمة التي وقعت مؤخراً في محافظة واسط – الكوت حينما أقدم شخص على قتل اثنين من أفراد أسرته من ضمنهم والده ثم قام بالانتحار . وقبلها بنت تقتل أمها نحراً !! ، لأنها رفضت تزويجها من حبيبها ، وآخر لعدم منحه مبالغ مالية ، وحوادث غريبة وبشعة.
مجلس القضاء الأعلى بين من جانبه بأن قضاة أرجعوا أسباب جريمة “قتل الأصول” إلى الطمع وغياب الوازع الديني والتفكك الأسري ، وتحدّثوا عن أشكال هذه الجريمة ، مشيرين إلى أنها من أكثر القضايا سرعةً في الحسم ، ومؤكدين أن “قتل الأصول” من الجرائم القليلة ، لكنهم شددوا على عدم إمكانية وصفها بـ”النادرة” لأنها بدأت تأخذ حيزاً بين الجرائم المفروضة حالياً، حيث بدأت المحاكم تستقبل بعد عام 2003 أشكالاً جديدة من هذه الجريمة ، لعل من أبرزها ما يتم بدافع إرهابي ، وذكر القضاة أمثلة عديدة لقتل الأبناء آباءهم تحت وطأة ما يسمى بـ”الفتاوى الدينية” (1).
بتقديري فإن احتلال العراق أدى الى انتكاسات كبرى في المقومات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والفكرية ، فحصلت انحرافات سلوكية وخدش في النسيج الاجتماعي مع الابتعاد عن العادات والتقاليد الحميدة ، وأطنبت البطالة في البلاد ، وتوقفت كثير من المشاريع عن العمل ، ناهيك عن الأمراض النفسية وتداعياتها واسقاطاتها خاصة لدى الشباب ، ثم القنوط و الشعور بالإحباط ، وأضف التعصب الديني والفهم الخاطئ لأساسياته.
وبلا شك فان الإلحاد وضعف الإيمان ، لهما النصيب الأكبر في كل ما يحصل من جرائم وعلى اختلاف أنواعها وتفاصيلها دون النظر للأسباب والمسببات والباعث .
وعلينا ألا نغفل تسيد الإعلام الموجه المنفلت ، وبرامج ومنصات التواصل الاجتماعي ومواقع ( السوشيال ميديا ) ، حيث أحدث كل ذلك تأثيرً سلبياً لدى المتلقي الذي يفتقر في الغالب للحصانة الفكرية ، بسبب الجهل وابتعاد أولياء الأمور عن مراقبة أبنائهم ، اضافة لكل ما ذكرناه آنفا.
لابد إذن من جهود جهيدة يتحتم علينا القيام بها ومنها : فرض رقابة حكومية وفق أسس تربوية مجتمعية دون استغلال ذلك لصالح أهدافها الدعائية والمخابراتية التسلطية ، ووجود وسائل إعلام حريصة ومهنية تمتلك سياسة إعلامية مدروسة وذات مضامين قويمة ، ومن الضروري تدريس مادة الإعلام في المدارس الثانوية للتسلح بالوعي ومجابهة ( البروباغاندا )(2) مبكراً ، والحاجة لمراجعة شاملة للمناهج التعليمية ، وإيجاد خطاب ديني معتدل ، والتذكير بعدم عقوق الوالدين ، ومراقبة الأسر لأبنائها بشكل دؤوب ، مع مراعاة عدم الإفراط بالقسوة على الأبناء أو المغالاة بـ ( التدليل والدلع ) ، كذلك لابد من ترسيخ العدالة القانونية ونشر الوعي القانوني ، والحد من البطالة ، والقضاء على الفساد ، ومكافحة المخدرات مع إيلاء أهمية كبرى للمدمنين ، ومحاربة الجهل وكشف عورة المجهلين وفضح نواياهم ، وإشاعة الأمل مهما ادلهمت الخطوب وأظلمت الدروب .
أخيراً.. لكل هذا وذاك ، أذكركم ونفسي بأن .. رأس الحكمة مخافة الله !!.
المراجع
1- مروان الفتلاوي ، الفتوى الإرهابية والطمع يوسعان نطاق “جرائم قتل الأصول” ، https://www.hjc.iq/view.2360/ ، 6-4-2014
2- البروباغاندا : مصطلح لاتيني بالإنجليزية “Propaganda : أي الدعاية والترويج والتبشير ” ونشر المعلومات بطريقة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص ”
3- من أشهر قصائد ( الطغرائي ) مؤيد الدين ، ابي اسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الأصبهاني المعروف بالطغرائي المتوفى 515 هجرية ( من القائل : اعلل النفس بالآمال ارقبها ، https://www.eroshen.com/ejabat/?qa=25845/ ، 25 يناير 2019)