تتخذ حريّة المعتقد في الفكر الإسلامي إشكالية واضحة نظراً لحساسية وخطورة ما تدور في فلكه، وذلك بالنظر إلى الأحكام التي تترتب عن إثباتها أو نفيها. فهي بوصلة هامة تؤرق علاقاتنا مع الآخر ومع المخالفين لنا دينياً وعقدياً ومذهبياً. وإنّ أبرز ما يثير الخلاف في هذا المدار هو قوله تعالى:( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) والتي انقسمت بشأنه أقوال الفقهاء والمفسرين إلى موقفين متعارضين؛ أحدهما يعتبرها منسوخة في آيات القتال في حين يعتبرها الآخر محكمة، ولكل منهما تبعاته التصورية والعملية. ومع كل هذه التعارضات إلا أن الراجح عند جمهور الفقهاء أنه لا يمكن إلغاء قاعدة كلية بإجراء احترازي، فالقتال شرِع للدفاع عن المعتقد عندما تكون الأمة مهددة بالظلم أو العدوان، كما أن الاختلاف العقدي لا يوجد العداء ولا يبيح أي شكل من أشكال الإقتتال (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين).
فحرية المعتقد هي حق الفرد فى اختيار عقيدته وما يؤمن به بعيداً عن كل إجبار ، وقد ضمنت الشريعة الإسلامية للإنسان هذا الحق كمحصلة طبيعية للتكليف الإلهي، فمنع كل وسائل الإكراه فلم تذكر كتب التاريخ أن النبي المصطفى أجبر أحدًا على اعتناق الإسلام قسراً، كما لم يُلْجِئُوا الناس للتظاهر به هرباً من الموت أو العذاب؛ إذ كيف يصنعون ذلك وهم يعلمون علم اليقين أن إسلام المُكرَه لا قيمة له في أحكام الآخرة، فالإكراه ليس له محل في الدين وأن الدين يعتمد على سلطة الضمير.
لقد ربط الإسلام قضية الإيمان أو عدمه بمشيئة الإنسان نفسه؛ فقال سبحانه: (َمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). وقد أكد القرآن هذه الحقيقة، وبين للنبي أن عليه تبليغ الدعوة فقط، وأنه لا سلطان له على تحويل الناس إلى الإسلام فقال: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وقال: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) .
وتعتبر ممارسات النبي في المدينة المنورة ٌ واعترافه باليهود بأنهم يشكلون مع المسلمين أمة واحدة إقراراً صريحاً بالتعددية الدينية التي تتجلى بحرية المعتقد، وقد تأسى به الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أعطى الأمان لمسيحي القدس ، وأبعد من ذلك بكثير فقد كفل الإسلام المناقشات الدينية والحوارات على أساس موضوعي من التسامح والدعوة بالتي هي أحسن بعيداً عن الفلسفات المعقدة أو السخرية،حيث قال تعالى:( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ومعنى هذا أن الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكلٍ دينه الذي يعتقده ويؤمن به، وهذا ما عبرت عنه سورة الكافرون:(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) .