اعتاد العرب في الثاني من نوفمبر من كلّ عام، أن يتذكروا طعنة الإنجليز التي جاءت على لسان المدعو: بلفور، وهو قائد إنجليزيّ الجنسية يهوديّ الهوى، متهم بارتكاب جريمة في حقّ العرب، وتحديدا في حقّ فلسطين والفلسطينيين، يوم أعطاهم فلسطين كيانا لهم، يجتثون أهل الأرض، ويزرعون أنفسهم فيها، فيرتوون من ماء فلسطين ويستنشقون الهواء العليل، وليتشرد الملايين، مقابل وضع الخنجر في خاصرة العرب، وفي أقصى الأمة الإسلامية.
وقد تداول الناس، ما قام به بلفور الإنجليزي مترجمين ما قاله للهيود على أنه: وعد. وتتوالى الأجيال وتعيش على مصطلح يرقق الجريمة ويحولها عن اسمها، فيمكن تسميته: كرم بلفور، أو منحة أو عطية، فقد باشر اليهود من يومها في الرحيل إلى هناك، وأصبحوا يتصرفون منذ اليوم الأول على أنهم أصحاب أرض، فقط بجوازات سفر أوروبية.
لم يكن أصحاب الأرض غافلين، فقد قامت الثورات ببأس دون يأس، وبينران أخمدها العالَم بطريقته الخاصّة، حيث استعانت اللوبيات كلها، بكلّ ما أوتيت من قوة المادة، وشيءٍ آخر يفهمه قارئ التاريخ، وقارئة الفنجان، ومن يتنفس تحت الماء، ومن يحتفل في المحافل بثياب مرصعة بالجواهر وفقراء بلده يبحثون عن علبة حليب لأطفالهم فلا يجدون.
عودا بنا إلى يوم بلفور..
إنه يوم نتذكر فيه الجريمة النكراء، والتي اكتملت عناصرها المشوهة برفع على الكيان الصهيوني على عشرين مترا من إنزال علم الانتداب البريطانيّ في واحدة من أشهر صور الزيف لانتداب قام على أرضٍ عرفت الحضارة قبل بريطانيا “العظمى”، فقط بأربعة آلاف عام.
إنها فلسطين.. مع إشراقة كلّ صباح تفقِد هدبة من رموشها، وشجرة من زيتونها وحجرا من بنائها، ودلوا من بحرها، وتتغيّر معالم طريقها لتصبح ممتلئة بالمستوطنات التي ملّت وامتلأت استنكارا. وفيما مضى أتعبنا اليهود المساكين، وهم يحرقون أوراق الشجب والاستنكار التي يرسلها إليهم العالم، أما في زمن الكيبورت، فيكفي اليهود القيام بـ: “ديليت delete” ليتحول الشجبُ إلى الذي تعرفونه.
وهنا.. ونحن نحنّ إلى فلسطين، ونتذكر بلفور المشؤوم، نذكر أحفادَه، أن أحفادنا لن ينسوا الزيتون والزيزفون والزعتر والدحنون، ولا العراقة والحضارة والتقدم والصناعة التي بناها العرب هناك، ولن تنس الأجيال: الجليلَ والخليلَ، وجبال رام الله، وسهول نابلس، وعمق التاريخ في يافا وحيفا، وأسوار عكا التي يعرفها جيران بلفور، فلن ينسى الأحفاد ما زرعه الأجداد.
أما القدس.. وما أدراك ما القدس؟!!. إنها التاريخ والجغرافية، والعقيدة والأقـصى والمعراج والمسرى، هي الرئة والقلب النابض للأمة. إنها موطن الصحابة الكرام، ومورد الخلفاء العظام، ومصدر العلماء النبهاء، وقِبلة الأحرار، ولن ترضى الأمة بأسرِها بأسرها، والوعد الصحيح: إنّ الصلاة فيها وهي محررة قريب. ولْيذهب بلفور، حيث هو الآن.