تعتبر مسألة التعددية والمشاركة السياسية التي ظهرت من خلال تجمعات حزبية ضمانة أساسية بالنسبة إلى الليبرالية الغربية ضد استبداد الحكام، فهي تأتي نتيجة طبيعية لما يؤمنون به من مبادئ الحرية والمساواة واعتبار الإنسان الفرد هو اللبنة الأولى لتشكيل المجتمع. وبالتالي تكون الأحزاب حلقة وصل بين الشعب والسلطة تتولى من خلالها تنظيم الرأي العام من خلال الانتخابات مثلاً، وهنا تغدو الأحزاب منظمة تدير إرادة الشعب ومدرسة لتربية الجماهير وجزءا أصيلاً من الدولة.وفي حين تنطلق الماركسية في موقفها الرافض للتعددية من أنها مظهر لتعدد الطبقات، وبنظرهم لا يوجد تعدد طبقات وبالتالي لا وجود للتعدد الحزبي ، وبهذه الحالة يؤطر النظام الماركسي الجماهير ويكمم الأفواه . وبين هذه وتلك يأتي الإسلام معتبراً الشورى وما تمثله من تطبيق مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركيزة أساسية في بناء الحكم الإسلامي، ومن الطبيعي أن تكون الأحزاب هي الطريقة المثلى والإطار الأنسب التي يتدرب من خلالها المؤمن ويشد عضده للنهوض بدوره الأساسي في الأمر العام.إن مسألة تعدد الأحزاب لم تكن مطروحة في الفكر الإسلامي قديماً ، وإن كان المجتمع الإسلامي قد عرف الإنقسام والتعددية السياسية المنظمة، ويرى الغنوشي أن توقف الاجتهاد وطغيان الاستبداد وما ساد في العصور السابقة من روح عامة حول الطبيعة العصبية للحكم، كان لذلك تأثير في تخلف الفكر الدستوري وعدم بلورة تصور واضح للحكم الإسلامي، وبناء عليه لم يصل الفكر الإسلامي لمسألة تداول السلطة بطريقة سلمية مما أدى إلى سيطرت الإنفراد بالسلطة وإبعاد المشاركين في الشؤون العامة، واستبعد العقل وأعفيت الأمة من مهمة الاجتهاد، مما عمق الاستبداد وعطل فاعلية الجماهير فوقعت فريسة في يد الغرب حتى ظهر روادالنهضة والإصلاح، الذين قاموا بإصلاح العقائد وتحرير العقول وتصدوا لأطماع الغرب المستعمر. واستردوا همة الأمة لرد هجمات الغرب ضد الحضارة الإسلامية سواء في دحض مفتريات الغرب ضد الإسلام ووصفه بالاستبداد، أو من خلال تقديم رؤية عن الإسلام تظهر مبادئ العدالة والحرية والشورى. والأهم من ذلك أنهم باشروا العمل السياسي من خلال إنشاء الأحزاب السياسية وتهيئة البرامج الخاصة.ونظراً لكل التحديات السابق ذكرها برز موضوع الدولة في إطار غير تقليدي، فبحثت المسألة بعمق في النصوص والتراث وتأصيل اجتهادات حديثة في لغة معاصرة حرصاً في ذلك على الإسلام ومحاكاة بالغرب. فقد نوه الكواكبي إلى ما أنجزه الغرب من تطور على مستوى تنظيم الدولة حتى أن انقسام الأحزاب لم يضعف الدولة الغربية لأن الاختلاف بين الأحزاب إنما هو في وجه تطبيق القواعد على الفروع والنصوص. وفي ذات السياق فقد اعتبر خير الدين التونسي أن الأمة إذا أدركت حريتها الكامنة بتنظيمات مضبوطة سهل عليها الانخراط في أمور السياسة، وأسرعت في سيرها نحو التمدن وحدت من الاستبداد. غير أن تنظيم الحياة السياسية تنظيماً مبدئياً يقوم على أساس النظام النيابي مع التركيز على ضرورة الالتزام بشرائع الإسلام ما يحفظ للأمة هيبتها ويحصنها من كل أسباب الاستبداد. يأتي هذا استناداً على أن الشريعة قائمة على حفظ المصالح ودرء المفاسد فمن حق الأحزاب الإسلامية التشكل والتنظيم وكذلك إمكانية التحالف مع الأحزاب العلمانية، كإقامة حكم ديمقراطي يتمتع فيه الجميع بحق الاختيار والحرية مهما اختلفت الأيديولوجيات. لذا نجد أن التعدد لا يعني بالضرورة التضاد أو حتى التناقض، بل قد يكون تنوعاً يشبه اختلاف المخلوقات، مما يجعل فكرة قيام نظام سياسي إسلامي يؤمن بتعدد الأحزاب فكرة أصيلة، فمن خلال تطبيقها يتحقق التداول السلمي للسلطة، وتحفظ دوام السلطة بالقدر الذي تعبر فيه الجماعات السياسية عن مصالح المحكومين، وتمارس الحريات التي تحول دون الاستبداد بكافة أشكاله.