بقلم د.آمال عبدالمولى
الأطفال هم زينة الحياة الدنيا وجمالها وشباب المستقبل فيجب الحرص عليمهم وتربيتهم تربية سليمة لإنشاء جيل قادر على تنمية المجتمع والعمل على تطوره للأفضل، حيث أصبحت الدول تقارن ويقاس تقدمها ليس بما لديها من موارد طبيعية وثروات في باطن الأرض أو خارجها بل تقاس بمدى قدرتها على استغلال هذه الموارد لانشاء جيل صالح مبني على أسس تربوية .
وتتطلب تربية الأطفال مجهوداً كبيراً من الأم والأب حيث أصبح الإبن الصالح هو حلم وأمنية كل أم وأب ،و الصلاح يكون بزرع الأخلاق الحميدة في الطفل منذ سنواته الأولى و تؤدي التربية السليمة دوراً هاما في تطوير المجتمع وتنميته وهى أداة لصنع قيادته الفنية والمهنية والسياسية والفكرية ، لذا يعد دور التربية السليمة مهم في تحديـد مخرجـات تتلاءم وطبيعة هذا العصر.
ترى هل هناك فرق بين التربية في الأمس واليوم بين القديم والحديث وأيهما أفضل ؟
هناك عبارات كثيرة تشغل بالنا وتحملنا بكثير من الاستفسارات وفي كل تجمع مع المهتمين بعالم تربية الطفل تدوركثير من التساؤلات ، منها ماذا حدث للطفل في العصر الحديث ؟
وما عمق الفجوة بين التربية في الماضي والتربية اليوم؟
هل فعلاً تعتبر البيئة المحيطة بطفل اليوم معقّدة بشكل يختزل مفهوم الطفولة الحاضرة في عصر التكنولوجيا والانترنت ومجتمع تقني مقيد ومعولم، أصبح أسير المفاهيم الجديدة حول أصول تربية الطفل ورعايته وحمايته بشكل يجعله يتعامل مع مستحدثات العصر بايجابية ومهارة بحيث يكون لديه القدرة على الانتقاء بين ماهو نافع وما هو ضار؟
ماذا تعرف عن طفل الأمس؟
كان طفل الأمس أشبه بعصفور حر، طفل طبيعي ينتمي إلى المحيط بشكل متناغم، يتسلّق الأشجار، يقفز علي السرير ثمّ يسقط، يلعب بالتراب وتتسخ ملابسه، يفكّر لوحده، ويرضيه نور الشمعة لتأدية واجباته، يعتمد على ذاته، ويتعلّم من المحيطين به، ويخرج إلى الشارع ولا يخاف، أو يفكر بوجبات الطعام السريعة، ويبتكر ألعابه بنفسه، أفقه بلا حدود، وهو مبدع وباحث بامتياز، ويتمتع بقيم المشاركة .
كما أن طفل الأمس كان يتفرغ لتلقي المعرفة والعلم فهما شغله الشاغل، فكان يحضر مجالس الكبار ويتعلّم منهم، فهو فضولي ولكن بشكل أنيق، ولا يعاني من القلق او الاضطرابات، مبادر ويحترم الوقت، ويمكننا القول بأنّ طفل الأمس كائن طبيعي ينتمي لكل ما هو حوله ويندمج فيه، بل يكاد أن ينصهر في التمازج مع مجتمعه الصغير والكبير.
ويعتبر طفل الأمس على النقيض تماماً من طفل اليوم الذي يسيطر عليه حب الأنا ويمجد نفسه ولا يرضى بالقليل من الفرص المتاحة له، ولا يتعامل مع المسؤوليات بجدية، ولا يتكيف مع الظروف المحيطة، ويصرخ عالياً ، إذ باعتقاده أن هذا الأسلوب يمّهد لتلبية رغباته.
ويمارس حريات كثيرة بموجب قوانين واتفاقيات وليس بموجب العلاقات الإنسانية الطبيعية في مجتمع متكامل، تلتصق عيناه في شاشات افتراضية بشكل يومي ( الموبايل- التاب-الأي باد- وما إلى ذلك )، ولا يتنازل للخروج إلى الشارع لاكتشافه، ولا يريد أن يسمع من حوله، وينصت فقط إلى ذاته .
وطفل اليوم يعاني من “التوحد” بسبب ما يفرضه عليه العالم الحديث المحيط به، وهو مقيد باتباع ما يقدّم إليه، وما يتحكم السيطرة على عقله ورغباته وطموحاته ويضعه في قالب ضيق. هذا الطفل مركّب يضيع الوقت في مجالسة مواقع التواصل في الانترنت في عوالم افتراضية تعزله أحيانا عن الواقع وعن الاندماج مع المجتمع بشكل طبيعي.
ويدور بخاطرنا دائما هذا السؤال ما هو الأسلوب الأفضل المناسب للتربية ؟
وغيرها من الأسئلة التي تراودنا جميعا من أجل الوصول إلى معرفة الاختلاف الحقيقي بين القديم والحديث في تربية الطفل وأيهما أفضل؟
التربية قديما: كان من الخطأ فيها ما يتصف به بعض الآباء من استخدام الشدة في التربية، وهى طريقة غير مستساغة ومبالغ فيها حتى إن بعض أولياء الأمور كان يتجاوز في تأديبه حدود الإصلاح إلى أن يقع في التنفير من التعليم بما يحيط به الأولاد من رهبة مفتعلة تؤدي إلى عكس المراد منها،فقد كانت التربية فيما سبق تقوم على الشدة وعدم اتاحة مجال للابن في أن يستمتع ببعض وقته للتسلية البريئة للترويح عن نفسه بعد عناء الدراسة، وهذه الطريقة في التربية التي تقوم على الشدة في التوجيه وتعتمد القسوة في المعاملة طريقة خطأ ، لأنها جعلت الطفل لا يستطيع التعبير عن ميوله وطموحاته بشكل واضح ، فكان الخوف والرهبة من العقاب هو الذي يوجه الطفل حيث كان للعصا دور بارز في هذا التوجيه القهري سواء كان ذلك على مستوى الآباء أو في مجال المدرسين.
فالعصا هي احدى الطرق التربوية في إيقاع العقاب على الأبناء من جانب الآباء، وعلى التلاميذ من جانب المدرسين، فتلك الوسيلة هي الطريقة السائدة حينذاك، حيث تقوم التربية والتعليم على العنف بقصد فرض الهيبة في نفوس الأولاد حتى إنه ليتمادى بعضهم إلى الضرب المبرح والتأديب الجارح، وبذلك تصبح الرابطة بين الأب وابنه والمعلم وتلميذه رابطة رهبة وخوف في حين أن المفترض أن تكون رابطة حب وتقدير.
من هنا نرى أن أسلوب التربية المبني على القسوة والشدة المزايد فيها مرفوض و غير صحيح في أسس التربية السليمة ولا يتلائم مع التربية السليمة للطفل ، ولكن الآباء قديما كانوا حريصين على الشدة في التربية من أجل انشاء جيل قادر على تحمل المسؤلية من وجهة نظرهم.
و على عكس الشدة يأتي الجانب الآخر غير السوي أيضا في التربية وهو التدليل الزائد للطفل ، فإذا كانت القسوة في التربية كما في القديم تدفع إلى النفور من الدراسة أحيانا ، فإنه لا يجوز في المقابل إطلاق العنان لرغبات الطفل دون متابعة كما يحدث الآن في العصر الحالي من بعض الأسر مما يؤدي إلى الفشل في الدراسة.
وليس من المناسب أن يكون وقت الطفل كله للترويح عن النفس دون إعارة أدنى اهتمام لواجباته العبادية أو المدرسية، فالتدليل المبالغ فيه هو طريقة تربية تعطي نتائج عكسية في الاهتمام بصقل الطفل وتنمية مواهبه وتعهده بالرعاية ووضعه على الطريق القويم.
فالطفل بطبيعته يميل إلى اللهو ويهوى اللعب ويستثقل الدراسة، لأنه يرى فيها ما يحرمه من الاستمتاع بكامل وقته ويجتهد في إضاعته كيفما يشاء في العبث ومزاولة الألعاب التي ترضي رغبته في عدم التقيّد بأي واجب مهما كان خفيفاً، وهو بحكم صغر سنه وعدم اكتمال إدراكه ينساق إلى الملهيات عن التعليم ولو تُرك لنفسه لما تعلّم، ولذا فإنه قد لا يحب المدرسة تبعاً لما يمليه عليه مزاجه المتقلب مسايرة لرفاهيته التي ألفَها والتدليل الذي اعتاده واتكأ عليه، وبهذا التوجّه المجرد من الإحساس بالمسؤولية يفقد أهم مقومات الإعداد لمستقبله لأنه فقد الركائز التي تدعم تكوين شخصيته على أساس المعرفة .
لذا نؤكد على أن القسوة ليست مطلوبة و لا التدليل يمثل التربية الصحيحة، فبين النفور والفشل يجيء الحل الوسط وهو الاعتدال في التربية لا عنف ولا ضعف ولا تجهم أو عبوس.
وكذلك لا إطلاق حرية بلا قيود، وإنما لابد أن يسود التوازن في التعامل مع الأبناء من منطلق حبهم ومتانة العلاقة بهم والحرص على ما ينفعهم في حاضرهم ومستقبلهم، ولن يسود التوازن التربوي إذا كان يصحبه نوع من محاولة فرض الهيمنة حتى لو أدّى ذلك إلى استعمال القسوة. كما أنه من الإخلال بأهمية التربية إذا كانت مصحوبة بلون من الميوعة والتدليل، وبين الضدّين يستقيم الميزان التربوي.
لابد من معرفة الأساليب الحديثة المناسبة في التربية من أجل الحفاظ على الطفل وتربيته على أساس تربوي يتناسب ومستحدثات العصر الحديث حيث تبدو التربية في ظاهرها سهلةً يسيرةً، إلّا أنّها في هذا العصر المُلتَحِم بالتكنولوجيا والانترنت التحاماً شديداً ، لا بُدَّ أن يكتسب المُربّي وسائلَ جديدةً تمتاز بالانفتاحِ ومواكبةِ كلّ جديدٍ مع المحافظةعلى مضمون الرّسالة التربوية ومُحتواها.
و كثيراً ما تتعدَّدُ الأساليب من أصحاب الاختصاص ويبقى القرارُ في اختيار المناسب منها بيد الوالدين تِبعاً لشخصية أبنائهم وسلوكهم وهناك العديد من الأساليب الحديثة في تربية الطفل التي يجب معرفتها من أجل التربية السليمة ،ومحاولة سد الفجوة بين الآباء وأطفالهم، ومن أهم هذه الأساليب ما يلي:-
أسلوبُ الحوار: أي أن تخصص وقتاً للجلوس مع طفلك بعيداً عن التلفاز، تعلّمه كيف يُحاور الآخرين، وقبل ذلك علّمه كيف يُعبّرُ عن رأيه بوضوحٍ وأدبٍ، واجعل من نفسك قُدوةً لأبنائك فذلك أقصر الطرق لزرع المفاهيم الإيجابية في أنفسهم.
أسلوبُ التّوازن: وازن بين احتياجات طفلك النفسيّة والجسدية والعقلية، وطوّر جميع تلك الجوانب لديه بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ، وساعده أيضاً في موازنة طلباته ورغباته، ما بين لذيذ الطّعام والشراب، وبين اقتناءِ قصص الأطفال التي تدعم السلوكيات الإيجابية.
أسلوبُ التحفيز: ادعم ثقة طفلك بنفسه، فتنمية الثقة لدى الطفل هي المفتاح الفعّال لتَماشيه مع مُختلف الظروف والمَحكّات، وأن تحفّزه أن يتكلّم أمام الكبار، ومهما كانت المشاغل والظروف لديك فلا تنسى بأن تمنحه هديةً صغيرةً عندما يتصرّف تصرفاً إيجابياً متميزاً.
وأخيرا…
نلفت نظر الآباء إلى أن الأطفال يحتاجون إلى الاهتمام منهم ،وعدم الانشغال بأيّ مهام أخرى والتركيز على الاستمتاع بالوقت معهم، ومن الأمور التي يجب أن يتجنب الآباء فعلها عند التواجد مع أبنائهم هى الانشغال بتفقد البريد الإلكتروني، والتلفاز ، أو قضاء الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الانشغال بالهاتف الذكي، حيث إنّ هذه المؤثرات جميعها تؤثر سلباً على الأطفال وتجعلهم يشعرون بأنّ آبائهم لا يتواصلون معهم بالشكل المطلوب وأنهم ليسوا محل اهتمام من آبائهم ويكتسب الأطفال سلوكهم وطريقة تفاعلهم مع الآخرين بشكلٍ أساسي من خلال ملاحظة أفعال والديهم أو الأشخاص البالغين من حولهم، فإذا أراد الوالدان أن يكتسب أطفالهم سلوك سوي ومُهذب يجب أن يحرصا على التعامل مع الجميع باحترام وأدب وإضافة الكلمات اللطيفة أثناء حديثهم، مثل شكراً ومن فضلك وذلك ليكونا قدوةً حسنة لأطفالهما، حيث من خلال الأسرة يتعلم الطفل السلوك الايجابي و الهدف من التربية السليمة هى تحضير أولادنا الى مواجهة المجتمع وتنشأة جيل على أسس ومبادئ الأخلاق الحميدة.