ليس من الحكمة أن تعتمد في هذه أو تلك من حاجاتك الأساسية على مصدرٍ واحد قد يبطئ معدلات تزويدك بما تحتاجه، وربما يمنعه عنك إذا نشبت أزمة بينكما. ولهذا فطنت دولُ متوسطة وصغيرة إلى ضرورة تنويع مصادر الأسلحة التي تستوردها.
ولكن المفارقة أن دولا كبرى في أوروبا، وعلى رأسها أكبر هذه الدول، لم تدرك خطر الاعتماد على مصدرٍ واحد للحصول على الطاقة الأكثر أهمية من السلاح إلا في حالة حرب. لم تحسب حساب يومٍ تحدثُ فيه أزمةُ كبيرة تتفاقم، فتُعَّرضها لخطر وقف أو تقليل الكميات المتعاقد عليها. وأصابت هذه الغفلة الأحزاب التي حكمت، أو شاركت في الحكم، فبدت أوروبا كمن تخيل أنه نام على حرير، حتى اكتشف أنه نائمُ على شوكٍ مؤلم.
وصار عليها أن تتحرر من هذا الارتهان الآن دفعةً واحدة، وملء خزاناتها بوقودٍ يكفي بصعوبةٍ لتلبية معظم الطلب في موسم الشتاء مع التعامل بجديةٍ مع مسألة ترشيد الاستهلاك. وتفيدُ البياناتُ الموثوقة أن بلدانها قطعت أشواطًا متفاوتة في هذا الاتجاه خلال فترة قصيرة، ولكن بتكلفةٍ أعلى مما كان عليها أن تتحمله في حالة التحرر التدريجي من الاعتماد على مصدرٍ واحد. ونجح بعضها في تحقيق تعويضٍ شبه كامل في وقتٍ مبكر عما كان مخططًا له مثل النمسا وبلغاريا وإيطاليا التي تساعدُ أيضًا، ومعها اليونان, دولاً أخرى تسعى إلى إكمال المهمة. ومازال بعضها الآخر يحاول، وفى مقدمتها ألمانيا التي ستكونُ في حاجةٍ إلى إجراءات أشد صرامة لترشيد الاستهلاك، لأنها كانت الأكثر ارتهانًا للغاز الروسي. ولهذا لم تكن لديها أي محطة للغاز المسال، فلجأت إلى التخزين في حاملات وقود عملاقة استأجرتها، في الوقت الذى تتسارعُ عملياتُ بناء محطاتٍ متفاوتة السعة أكبرها قرب ميناء فلهلمسهافن على ساحل بحر الشمال.
والحال أن موسمُ الشتاء سيكونُ أصعب على الألمان من شعوبٍ أوروبية أخرى. لكن مع نهايته ستكونُ أوروبا قطعت الشوط الأكبر في طريق التحرر الذى طالت غفلتها عنه, فتأخر سيرها فيه. وليت حكومات بلدانها تفطنُ أيضًا إلى ضرورة التحرر من الاعتماد العسكري على الولايات المتحدة.