بقلم د/ آمال محمد عبدالمولى عواد
السلام هو أساس استقرار الأمم ، وركيزة عامة من ركائز الدول التي تسعى للتقدم والرقي في جميع مجالات التنمية . أما الحروب هي الدمار والخراب وتتسبب في تأخر الدول وتخلفها ، والسلام ليس مجرد كلمة عابرة، بل هو أساسٌ من أساسيات أمن واستقرار الدول، وركيزةٌ مهمةٌ تستند عليها حياة الشعوب، فبلا سلام لا توجد حياة مستقرة، وبدون وجود السلام تنعدم أسباب الرخاء قال تعالى :” وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” والسلام هو الفطرة السليمة التي فطر عليها الإنسان، والأصل في الحياة أالاستقراروالآمن بعيداً عن الدمار والحروب لكي يتحقق الوئام بين الشعوب.
قال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ” البقره”208″.
وبناء السلام في مفهومه العريض لا يعني زوال الصّراع والخِصام فقط بين الشعوب ، إنّما يتطلّب وجود مجموعة من المُفردات، والقيم، والمواقف الإيجابية ، والعادات التي ترتكز على الإحترام الكامل لمبادئ السّيادة واحترام ملكيات الغير والحُريّات الأساسيّة وحقوق الإنسان، والحوار البناء والتّعاون والتصالح بين الشّعوب وتبادل الثّقافات المُتعدّدة، ونَبذ ثقافة القوّة والبعد عن استخدامها.
ولقد عرّف المُؤرّخ البريطانيّ (أرنولد توينبي) السّلام بمقولته الشهيرة : (عِش ودع غيرك يعيش)، وقد قصد بذلك أنّ السّلام يجب أن يُمنَح للشّعوب حتّى يتسنّى الحصول عليه كحالةٍ عامّة، ولمّا كان السّلام هو المحبّة والتّعايش السلمي الآمن ، والحروب هي العِداء والتّفرقة فالحرب نقيض السّلام لذا تسعى شعوب الأرض كلّها إلى بناء السّلام الذي يستجيب لآمالهم وأُمنياتهم، ويؤمِّن لهم حياةً رغيدةً آمنة ، وصولا” لتحقيق التقدم والحضارة .
مفهوم السلام :
يعرف السلام في اللغة العربيّة اسم مصدر مِن سَلَّمَ ويأتي بمعنى النجاة أو التخلّص مما لا يُرغَبُ به، فيقال سَلِمَ من الأمر أي نجا وخلَصَ منه، ومن جانبٍ آخر فالسلام هو الاستستلام والخضوع والتسليم لكلّ ما يؤمر به الإنسان أو يُنهى عنه ، والسلام ضدّ الحرب والنزاع والصراع، وخلو المجتمع بشكلٍ نهائي من وجود جميع أشكال العنف و السعي في الوصول إلى المظاهر الإيجابية. حتى يتحقق السلام والأمن والاستقرار في المجتمع والحياة البشريّة.
ما هومفهوم بناء السلام ؟
هو مفهوم يُشير إلى تحديد وتأسيس البُنى ودعمها، وإعداد و ترسيخ وتفعيل ونشر ثقافة السّلام من خلال بناء جيل فاهم واعي لأهمية وجوده بالمجتمع وتمكين هذا الجيل من تطور الأفكار وتسلحه بالعلم الذي يساعده في حل الصعوبات والمُعضلات التي تواجه سواء أكانت إنسانيّة أم ثقافيّة أم اجتماعيّة او الاقتصاديّة أو ما إلى ذلك .
وبناء السّلام في المجتمع يلزم بناء عقول الأجيال الصاعدة وتكوين مجموعة الأنماط السلوكيّة الحياتيّة الايجابية ،والأفكار،والمعتقدات الفكرية ، والمواقف المختلفة التي تدفع الإنسان إلى احترام إخوانه من بني البشر، ورفض الإساءة إليهم والاعتداء عليهم، وممارسة العنف ضدّهم، وقبول الاختلاف بين الناس،وقبول الإختلاف في وجهات النظر ، وقبول النقد الهادف البناء ، والإيمان بحق حرية الآخرو تحقيق أمنه واستقراره وسلامه .
ما هى أهمية بناء السلام في المجتمعات؟
السلام اسم من أسماء الله الحُسنى، وصفة من صفاته، وقد سمّى نفسه -سبحانه وتعالى- بهذا الاسم؛ ؛ إذ قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ…)، ولأهمية السلام فقد أشارت إليه جميع الدّيانات السماويّة على مرّ الزّمان؛ بأنه دعوة إلى المحبّة، والرّحمة، والتّآخي، والمودّة، وبناء المُستقبل المُشتَرك بين كافّة الشّعوب والأعراق والأجناس..
لما كانت الحروب تولد في قلوب البشر الكراهية ،والعنف ، والدمار الذى يحطم الفرد والمجتمع ،وتنقله بعيداً عن التقدم والرقي.ولكى ينجح أي مجتمع ويمضي في سير التقدم والحضارة ، لابد من توفير مناخ ملائم لهذا النمو والتقدم ،لذا لابد من نشر ثقافة بناء السلام في عقول أبناء المجتمع و أن تَبني حصون السّلام،لأهميّتة في حياة الفرد حيث خُلِق الإنسانُ ليعيش في سلام وأمان ، ولم يُخلق ليُقتل ويُباد.
من خلال السّلام يمكن للإنسان بثُّ أفكاره التي من الممكن اندثارها خلال الحروب بالعنف والتّدمير، كما أن السّلام يُمكّن الشّعوب اكتسابَ ونشر الثّقافة، وبناء الحضارات، والنّهوض بالدّولة اقتصاديّاً واجتماعيّاً؛ فالبناءُ لا يكونُ إلا في أوقات السّلم والأمن.لأنه لا يستطيع المجتمع أن يبني ويعمر في ظل الحرب والدمار ووسط الأهوال التي تحيط المجتمع من الحروب والصراعات ، لذا فالسلام والاستقرار الأمني للفرد والمجتمع أساسي لنهوض وتقدم جميع مجالات المجتمع،وتحقيق الهدوء والاستقرار .
لماذا استخدم الحمام وغصن الزيتون رمزاً للسلام ؟
أصبح الحمام وغصن الزيتون رمزاً للسلام منذ كان سيدنا نوح يدعو أهله بالسلام لركوب السفينة حتى يحميهم من الغرق والهلاك من فيضان البحر ، وقد ركب السفينة من الطيور والحيوانات والبشر من كل زوجين ، وعندما نجت السفينة بنوح وقومه ، أرسل الحمام حتى يدله على ثبوت الأرض بعد أن جف الفيضان وعاد الحمام وبفمه غصن الزيتون وبرجليه طين الأرض ، عندها أمر نوح قومه بالنزول بسلام واستقرار لتعمير الأرض ، منذ ذلك الحين اتخذ الحمام وغصن الزيتون رمزاً للسلام على الأرض.
ما هو دورنا في بناء السلام؟
ابدأ بنفسك أولاً في تكوين السلام والتصالح الداخلي جواك ، فعندما يصالح الانسان نفسه ويشعر بالسلام داخله ، وينقي قلبه من الشرور ويبعده عن الأحقاد التي تدمر النفس وتجعلها مريضة بالكراهية ، فعندما يتحقق ذلك في كل انسان على الأرض يساعد في نشرالسلام الذي يساهم في بناء العقول الفكرية لجميع فئات المجتمع .
وسائل التواصل المختلفة والسوشيال ميدايا لها دور مهم لتوضيح ونشر أهمية السلام ودوره في رقي وتقدم المجتمع ، كما لا ننسى أهمية المساعدة في ايجاد وتصميم مناهج علمية تدعم فكرة بناء السلام في جميع مراحل التعليم المختلفة،والإيمان الفعلي بأهمية الدور الذي يلعبه السلام في تأهيل المجتمع فكرياً وعلمياً، وتشكيل السلوك والأخلاق العامة ،وفي رحاب السلام يتم تطوير المناهج التعليمية وأساليب تقديم المادة العلمية.
مما سبق يوضح لنا أهمية وجود السلام في العالم ، وأهمية نشر ثقافة السلام وضرورة الاكثار من الندوات واللقاءات العلمية الفكرية البنائة بين فئات المجتمع المختلفة لبث ثقافة بناء السلام وانتشاره ، وحان الوقت لضرورة التحرر من الشكل الوثائقي والمكتبي للأبحاث العلمية والنزول الفعلي لأرض الواقع وتفعيل مبادرات بناء ونشر ثقافة السلام ، والعمل على توظيف العلم في خدمة البشرية وتحقيق الأمن والآمان حتى تسود المحبة والسلام في العالم أجمع ، ونقضي على الحروب بأنواعها وجميع أشكالها ، ونفتح القلوب بعد تنقيتها من جميع الأحقاد والشرور وكل انسان في الأرض يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ، ونحاول الرجوع إلى الفطرة الإنسانية الجميلة التي خلقنا بها الله ، حيث ساوى بيننا جميعاً كأسنان المشط ،وخلق لنا قلب ينبض بالحياة يجد راحته وسط المحبة والأمن والسلام وحب الخير للجميع وأن تكون قلوبنا مظلة للسماح تحوي تحت ظلالها اجماع القلوب على أهمية وجود المحبة والسلام في جميع ربوع الأرض … ترى هل هذا حلم بعيد المنال ؟
أشكركم على حسن المتابعة وللحديث بقية إن شاء الله