لقد أودع الله – سبحانه وتعالى في الكائن البشري مجموعة من الغرائز والحاجات ، فمنها ما هو حتمي الإشباع ومنها ما هو غير حتمي الإشباع ، ومن هذه الغرائز غريزة التدين ، فمن خلالها يبحث الكائن البشري عن خالقه ليؤدي له الشكر والطاعة لقاء نعمة الخلق ولقاء النعم الكثيرة الأخرى التي لا يمكن أن يعدها ويحصيها ، وفي كل مرة يتخذ إلاهاً معيناً بناءً على وجود شيء خارق في الإله المختار ، فاتخذ مرة الشمس إلهاً ومرة البحر وغيرها من المخلوقات لوجود صفة تميز بها ، لكن الله – تبارك وتعالى أوقف هذا المعتقد من خلال اختيار الأنبياء والرسل ليبينوا للناس الإله الحقيقي لهم ولكل مخلوقات الكون ، إنه ( الله ) جل وعلا ، لكن الكائن البشري ظل يعاند ويبتكر آلهة له عندما غلبت عليه العاطفة المتصلة بالروح ، فظل يُحكم عاطفته وهواه على حساب عقله ، فأيهما يمتلك الضبط ( العقل أم العاطفة ) ؟ عندما غلبت العاطفة على آدم – عليه السلام – قطف التفاحة ، وكان ما كان ؛ لذا نجد الأعرابي عندما حكم عقله وصل للمقصود حينما سئل . كيف عرفت الله ؟ قال : البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير وسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج . نعم طروحات لا يمكن أن ينكرها العقل ومحاججة منضبطة ، وعندما كان النمرود يعتقد بأنه يحيي ويميت .. يقتل فلاناً ويطلق سراح فلان ، حاججه إبراهيم – عليه السلام – في القرآن الكريم . أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
فأتى له بحجة عقلية أوقفت هواه وعاطفته الطغيانية ، فبهت وعجز عن ذلك ؛ لأن المطلوب خارج قدرته البشرية ، كيف يستطيع قلب النظام الكوني بأن يأتي بالشمس من المغرب . فيجب على الكائن البشري أن يُحكم عقله لا عاطفته في اختيار معبوده ليكون فائزاً برضى خالقه ومحققاً لصحة غريزة التدين المبنية على ثنائية العقل والعاطفة لا العاطفة فحسب .