عندما أقرأ الورد الشهري من القرآن الكريم الذي يقدرُ بجزءٍ كل يوم تقريباً ولا أخفيكم سراً كنت أقراؤه في معظم الأوقات ونيتي الانتهاء منه سريعاً بدون التركيز التام لما أقرأ.. حتى إذا مرت في بالي خاطرة أو سؤال لا انتبه إليه ولا أتوقف عنده كي لا أتعطل عن الورد اليومي ، إلى أن قرأت قوله تعالى في سورة المائدة : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُعَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ ﴿٣﴾
هنا توقفتُ ولم أستطع التكملة . إن سورةَ المائدةِ من حيث ترتيبها في القرآن الكريم تعد السورةَ الخامسةَ في كتاب الله فكيف يكونُ التمامُ في أول كتاب الله ولايزال متبقي (109) سورة أخرى ، وبدأت رحلةَ البحث عن الإجابة فوجدت العجب ، فسبحانَ الخالقِ الذي يخلقُ كلَ شيءٍ بقدر ، إذ وجدت أن التمامَ يكونُ في القواعد الأساسية للمنهج الإسلامي ، والتي جاءت في السور التي سبقتها سور البقرة وآل عمران والنساء.
أما المفاجئة بالنسبة لي فهي سبب تسمية السورة بهذا الاسم وعلاقة الاسم بالمنهج والتمام الذي في الآية وعلاقة أول الآية بالسورة : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴿١﴾، فسبب هذه التسمية نسبةً لأحد المعجزات التي أتى بها سيدنا عيسى (عليه السلام) إلى تلاميذه الحواريين عندما طلبوا منه أن يأتي لهم الله – سبحانه وتعالى بمائدة تنزل من السماء إليهم حتى يأكلوا منها ، وتطمئنّ قلوبهم ويؤمنوا به وبما جاء به ، وبالفعل حقّق الله تعالى مطلبهم ، وأنزل المائدة لكنّه توعّدهم بالعذاب الأليم في حال كفرهم بعد إنزال المائدة ، وكأن الشاهد من القصة أنه كان بين سيدنا عيسي والحواريين اتفاق وعهد فلا يجوز لأحد الطرفين أن يخلفه ، وكذلك القواعد الأساسية التي ذكرت في السور التي سبقتها فلابد من أخذ العهد عليها فهذا التركيز من قبل المشرع الحكيم علي قضية العهود ؛ لأن كل حياتنا عهود أو سواء أكانت ظاهرة ضمنية ، فالعمل عقد ، والزواج عقد ، وتربية الأبناء عقد ، والعلاقات مع الآخرين عقد ، والأعمال التطوعية التي رضيت أن يكون جزاءً منها عقد ، فالوفاء بالعهود نحقق به السعادة الداخلية لمساعدة أنفسنا أولاً ثم لمن حولنا ثانياً .
فالله نسأل العلي العظيم أن نلتزم قولاً وفعلاً مع ما اتفقنا عليه من العهود لكي لا تشملنا عقوبة المخالفين لذلك.