ما أكثره الحديث عن أدوار المثقفين وتأثيرهم إيجابيا أو سلبيا فى مجتمع أو آخر، بغض النظر عن المقصود بالمثقف فى هذا العصر، ومن يكون تحديدًا. ولكن قليلاً أو نادرًا ما يُطرح سؤالُ عما إذا كانت أفكاره هى الأهم، أو القدوة المتضمنة فى مواقفه وسلوكه.
ومن الطبيعى أن يُختلف على جواب هذا السؤال، حسب الطريقة التى يفكرُ بها من يجيبون عنه، ونظرتهم إلى العلاقة بين المثقف، أو من يُعد كذلك، والمجتمع. وقد تختلفُ الإجاباتُ من مجتمعٍ إلى آخر، وفق مستوى الوعى العام، وحاله الثقافة، ومدى انفتاح المجال العام أو انغلاقه.
هذا بعض ما فكرتُ به عندما عدتُ إلى تاريخ الفكر فى أثينا القديمة لغرض بحثٍ أكتبه، فقفزت فى ذهنى مرةً أخرى حالة سقراط، وهو أكثر الشخصيات المُختلف عليها فى تاريخ الفلسفة. ولأن سقراط لم يترك نصًا مكتوبًا, فمن الصعب التيقن من الأفكار التى طرحها، والتأكد من أن أفلاطون لم يُغّير شيئًا فيما نسبه إليه منها0 ولهذا يعتقدُ بعض دارسيه أنه يستمدُ قيمته من القدوة التى ينطوى عليها موقفه عندما حوكم بتهمة إفساد عقول الشباب، وحُكم عليه بتجرع السم حتى الموت الذى أقدم عليه دون تردد.
ولكن يجوزُ أن نرى فى موقفه ذاك قدوةً حسنة، إذا نُظر إليه من زاوية الشجاعة، ويمكنُ أن نجد فيه أيضًا قدوةً سيئة إذا ركَّزنا على الرسالة التى أراد أن يوجهها، وهى أن الطاعة واجبة، ومقدمة على كل شىء، حتى على الحياة.
وإذا كان سهلاً الاختلافُ على هذا النحو بشأن تقييم القدوة، ومتى تكون حسنةً أو سيئة، فهل يعنى هذا بالضرورة أن الفكرة أو الأفكار هى الأهم؟ الجوابُ ليس سهلاً، لأن الأفكار تكونُ عادةً موضع خلاف. ولكن الاختلاف عليها فى حد ذاته أمرُ حسن، لأنه يعنى حدوث تفاعلٍ تُطرحُ خلاله أفكارُ أخرى. وهناك من يرى، لهذا السبب، أن الأفكار دائمًا مفيدةُ حتى إذا كانت سيئة، بخلاف القدوة التى لا تفيدُ إلا إذا كانت حسنة. ومع ذلك تبقى المقارنةُ بين الفكرة والقدوة فى حاجةٍ إلى بحثٍ أعمق