يتأكد لنا يوماً بعد يوم أن معظمَ مشكلاتنا ومن حولنا لا تعود إلى ما هو موجودٌ في الواقع ، ولا إلى ضعفِ الإمكاناتِ والمعطياتِ الماديةِ والفكريةِ ، وإنما تعودُ إلى خللٍ في رؤيةِ الأشياءِ ، وخللٍ في آليةِ التفكير.
فلو أننا تأملنا طريقةَ تفكير من حولنا لوجدناها تنقسمُ إلى قسمين : الأولُ وفقَ قاعدةِ (الجديدُ يُعاملُ بحذرٍ إلى أن يثبتَ صوابه) ، والثانية وفقَ قاعدة (الجديدُ صحيح حتى يثبت خطؤه).. وبين هذا وذاك تضيعُ الفرصُ وتنتهي أجيالٌ وأجيال .
ومع أن أي من الموقفين لا يكون مناسباً في بعض القضايا إلا أن الانفتاح على الجديد يظلُ هو الأقربُ إلى الصواب في معظمِ الأحيانِ ؛ ذلك لأنهُ طبقاً للقاعدة الأولى يكونُ الإغراقُ في تحليل كل ما هو جديد والتركيز علي سلبياته ، وبيان أزماته هو المسيطر، إذ يجعل كل جديدٍ مكبلاً ومرتبكاً ومتهماً دائماً بإفساد القديم الناجح من وجهه نظر هذا الفريق الذي لا أعلم إذا كان يعرف أو لا يعرف أن كل شيء يتغير، حتي معاير النجاح نفسها تتغير ولا تثبت ، فأين الآن شركة نوكيا وكودك في صراع الحاضر والتطور.
أما القاعدة الثانية .. فهي حينَ يفكرُ المرءُ في كلِ جديدٍ من غيرِ خبرة يتكئ عليها فإنه يكونُ مهدداً بالتهور وبالبعد عن الحدود التي يرسمها الواقع ، وتتمثلُ خطورةُ مثلِ هذا التفكير في اتخاذ قرارات غير عملية ، والتطلع إلى الحصول على أشياء لا يمكن الحصول عليها.
لكن الحل هنا يكمنُ في التفكير الإبداعي الذي يتطلبُ من المرء أن يكونَ مستعداً لرؤية الأشياء خارجَ الأنماطِ المألوفةِ ، وبعيداً عن الارتباطاتِ السببيةِ المعهودةِ والمعمولِ بها.
إن السذاجةَ في كثيرٍ من الأحوالِ تكونُ عبارةً عن محرّضٍ كبيرٍ لبذلِ أعظمِ الجهود ، وتحمّلِ أكبر المشاق، أعلم أن هذا مبالغ فيه في معظم الأوقات ولكنها الحقيقة فهو يشكل الوقود الحيوي للاستمرار.. مما يمكّن المرء من القيام بالكثير من الأشياء العظيمة.
وإنهُ لدرسٌ بليغٌ ذلك الذي نستخلصهُ من قوله عليه (الصلاة والسلام):” إذا قامتِ الساعةُ على أحدكم وفي يدهِ فسيلةٍ فليغرسها”، إن علينا أن نفكرَ في المستقبل البعيد ، وأن نؤسسَ الأعمالَ الجيدةَ والمطلوبةَ بغض النظر عما إذا كنا نحن سنقطفُ ثمارها ، أو كان من يفعل ذلك الأبناءُ أو الأحفادُ.
في النهاية نحن بحاجة إلى العمل وفقَ معادلةٍ صعبةٍ تجمع بين القاعدتين ، القاعدة التي تقوم على أفضل أنواع التحليل والتخطيط للواقع الذي نعيش فيه ، والقاعدة التي تنتمي إلى إنتاج أفضل أنواع الحلول الإبداعية لتطوير الحياة ، والهروب من النمطية ، وبذلك نكون قد حققنا الرؤية المتزنة الصحيحة.