استطاع الإسلام أن يحدث ثورة تحريرية شاملة على كل الطواغيت وكل مظاهر الظلم والفساد، وقد كانت أولى رسائله تحرير الإنسان من العبودية لغير الله، كما أنه أسس علاقات الحياةكلّها على الخيار والحرية. ويصون الإسلام الحريات ويعززها، ففي الوقت الذي يقر الإسلام بـالواحدية لله سبحانه وتعالى وحده، يقر أيضا أن ما دون ذلك من الخَلق – إنساً أو حيواناً أو نباتاً…- فقائم على التعدد والتنوع؛ قال تعالى: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(الذاريات: 49)، ومن أجل ذلك فمن الضروري أن يسلك الإسلام كلَّ السبل، ويوفر جميع الأدوات اللازمة؛ لحماية هذا التعدد والتنوع، بما يجعله شاهدا على قدرة الله سبحانه، الذي خلقهم متمايزين في الألسنة والألوان.
ولذلك ارتفع الإسلام بهذه الحقوق لتغدو واجبات مقدسة لا حق لعبد الله المستخلف أن يفرط أو يتهاون فيها. إنها ليست ملكا له بحيث لا يجوز للإنسان أن يتنازل عنها أو يفرّط فيها، بل لله سبحانه مالكها الأوحد، والإنسان مستخلف فيها مطلوب منه التصرف في تلك الوظيفة وفقا لإرادة الله؛ ؛ ولقد تميزت نظرة الإسلام إلى الحرية عن نظرات كثير من الفلسفات الأخرى؛ فالحرية في النظرة الإسلامية ضرورة من الضرورات الإنسانية، وفريضة إلهية، وتكليف شرعي واجب؛ وليست مجرد حق من الحقوق الإنسانية.
نعم، إنّ محافظة الإنسان على حياته وتوفير مقومات بقائها وتطورها وسعادتها ليست حقا للإنسان يستطيع أن يفرط فيه بالانتحار أو الإهمال مثلا، بل ذلك واجب شرعي، وكذلك رفض الاستعباد ومقاومة الطواغيت والكفاح من أجل الحرية وتحقيق العدل ليست حقوقا بل واجبات يحاسب المسلم إزاءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وبالتالي تتمتع الحقوق في التصور الإسلامي بقدسية يمنع التلاعب بها سواء من حاكم أو حزب طالما أن مصدرها الله عز وجل، ويبقى الحاكم أو الحزب مجرد سلطة توجه الأفراد وتنفذ الأحكام.
والحرية في الإسلام هي ضرورة إنسانية، لمطلق الإنسان، وليس للإنسان المسلم وحده، والتاريخ الإسلامي شاهد على ذلك، فهذا عمر بن الخطاب عندما استنكر استعباد الناس حيث قال: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا)، كان في سياق رد مظلمة الرجل القبطي، والناس هنا لفظة عامة تشمل المسلم وغير المسلم.