يرى العالم الشهير ” راد براون ” أن الثقافة هي العملية التي يكتسب الفرد بواسطتها المعرفة، والمهارة والأفكار، والمعتقدات، والأذواق والعواطف، وذلك عن طريق الاتصال بأفراد آخرين أو من خلال أشياء أخرى ، تمامًا كما يكتسب الفرد الأعمال الفنية .
وعلى الرغم من تباين الرؤى والأفكار حول مصطلح الثقافة، والذي لا يمكن حصره في كمِّ المعلومات التي يمكن للفرد أن يستوعبها، بل على المستوى الأعم تعتمد الثقافة على وعْي الإنسان بذاته، وتطويره لهذا الوعي، والذي يستطيع من خلاله أن يدرك ما يدور حوله في العالم الخارجي محليًّا وعالمًّا.
ولهذا نجد الكاتب الشهير تايلور في كتابه ( الثقافة البدائية )، عرف الثقافة بأنها ” ذلك المركب المعقد الذي يشمل المعلومات والمعتقدات، والفن والأخلاق، والعرف والتقاليد والعادات، وجميع القدرات الأخرى، التي يستطيع الإنسان أن يكتسبها بوصفه عضوًا في المجتمع ” .
ومع التطور الذي يشهده العالم اليوم، وتعدد المصطلحات الناجمة عن التطور ومجالاته، يظهر مصطلح الثقافة الرقمية، وهو من المفاهيم والمصطلحات الحديثة، نتيجة لما يشهده العالم من تطور يواكب العالم في تكنولوجيا المعلومات، والفضاء الإلكتروني، والإبتكار في مجالات العلوم والفنون، والتكنولوجيا الرقمية، وغير ذلك، ولهذا تُعد الثقافة الرقمية القـوة الدافعـة لعمليـة التحـول الرقمـي، والعامـل الأساس والمهم لضمـان تحقيـق الاسـتدامة الاجتماعيـة؛ وهذا يصور مقدار امتـلاك الفـرد للسـلوكيات والأنمـاط المعرفيـة، التـي تمكنه مـن التفاعـل مـع العصـر الرقمـي.
وعلى الجانب الآخر يظهر إطار رقمنة الثقافة وتبويبها في صورة مستقاة من التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، في صورة بعيدة عن الروتين المعلوماتي، أو التبويب الذاتي، ولهذا يُعد الحراك الثقافي في كل المؤسسات والجهات، يسابق الزمن مع عملية التطور والسريع للتعامل مع معطيـات العصـر الرقمـي مـن الناحيـة العلميـة والتكنولوجيـة والفكريـة، وكيفيـة التفاعـل معهـا بعقليـة ديناميكيـة قـادرة علـى فهـم المتغيرات الجديدة، وتوظيفهـا بما يخـدم عمليـة التطـور المجتمعي والتكنولوجـي.
في الحقيقة نحن إزاء تحوُّل سريع في هذا الجانب ومستمر، لكن الواقع يستدعي ضرورة الوعي بالعالم الرقمي ومكوناته، ويجعلنا نرجو المزيد؛ حتى نجد لأنفسنا مكانًا لائقًا في عالم الحضارة، ودول التكنولوجيا.
ونحن إزاء هذا، نهمس في أذن طلابنا ـ على وجه الخصوص ـ أن يدخلوا سباق العلم والثقافة الرقمية، لإحداث جانب من التطور المعرفي، وأن يرتفعوا بسقف الثقافة لديهم؛ لأن المستقبل سيتعامل ـ بشكل أسرع وألْيق ـ مع العقول المعطاءة، التي تتفاعل مع الواقع المعيش، وتتطلع إلى المستقبل المرتقب.