التفاوض سلوك يومي، يبدأه الشخص بالتفاوض مع نفسه في تحديد برنامجه اليومي، ثم مع أهل بيته فيما هو مشترك بينهما طوال اليوم، ثم في عمله على ما ينبغي أن يقوم به، ثم مع الأصحاب والجيران وكل ذي علاقة أو مصلحة معه. فالتفاوض نوع من الحوار أو تبادل الاقتراحات بين طرفين أو أكثر بهدف التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى حسم أمر ما أو عدة أمور مختلف عليها بطريقة ودية.
تقوم عملية التفاوض على منهجين هما الصراع أو المصالح المشتركة فأي المنهجين أفضل من الأخر؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى تفصيل، فعادة يلجأ طرفي التفاوض إلى منهج الصراع عندما يسعى كل منهم لتعظيم مكاسبه على حساب مصلحة الطرف الآخر وإن أضر به، بينما في منهج المصالح المشتركة يذهب الطرفان إلى التفاوض مصطحبين رغبتهم المشتركة في التعاون وتعظيم الفائدة لكل منهما، لذلك يقوم منهج الصراع على عدة افتراضات أهمها عدم تكافؤ المراكز التفاوضية للطرفين (وجود طرف أقوى من الطرف الأخر)، وتتعارض مصالحهم، وعدم تقبل كل منهما لآراء ووجهات النظر الأخرى، وتختلط الحقوق والواجبات بينهما، الأمر الذي يجعل الصراع بين الطرفين أمراً حتمياً. بينما افتراضات منهج المصالح المشتركة تقوم على تكافؤ المراكز التفاوضية حيث تقل الفروق بين قوة الطرفين للدرجة التي لا تسمح لأحدهما بفرض شروطه على الآخر، وتربطهما مصالح مشتركة تدفعهما للحفاظ عليها أثناء التفاوض، وكل منهما يتفهم إمكانيات ومشكلات ورغبات الآخر، وتتكافأ حقوق وواجبات كل منهما، وبالتالي فإن اللجوء إلى منهج المصالح المشتركة في التفاوض يعبر عن رغبة الطرفين في الإبقاء على العلاقات بينهما جيدة، ويحرصا أن تبقى مستمرة في المستقبل.
إن الاختيار بين المنهجين عند التفاوض لا تحكمه الرغبة الشخصية لدى الطرفين، وانما تحكمه أمور عديده أهمها طبيعة القضية التفاوضية ومدى أهميتها لطرفي التفاوض، والإمكانات والقدرات التي يمتلكها كل منهم، والزمن المتاح للتفاوض وأهميته لهما، فالمنهج المتبع في التفاوض يجبر عليه أطراف التفاوض في أغلب الأحيان وفي القليل النادر يكون هناك إمكانية للاختيار بين المنهجين.
والجدير بالذكر هنا أنه عند اختيار المنهج يصاحبه حتماً اختيار الاستراتيجيات التي يستخدمها فريقي التفاوض، فمن الاستراتيجيات المستخدمة في منهج الصراع استراتيجية الاستنزاف للوقت والجهد والمال بين الطرفين، واستراتيجية التشتيت سواء بتفتيت الفريق ونبذ الفرقة فيه أو تفتيت القضية المتفاوض عليها مما يصعب على الخصم جمعها وتربيطها، واستراتيجية الإخضاع (إحكام السيطرة)، أو استراتيجية الهجوم المنظم على الخصم، أو قيادة الطرف الآخر إلى التدمير الذاتي. أما استراتيجيات منهج المصالح المشتركة فتقوم على تحقيق التكامل (أفقي أو رأسي) بين الطرفين او تطوير التعاون بينهما زمانياً أو مكانياً والمحاولات المستمرة في البناء على المتفق عليه والوصول إلى اتفاقات مرضية فيما يختلفان فيه.