كثر الحديث عن موضوع التعليم عن بعد(Distance Learning) ، بشكل ملفت بعد انتشار جائحة كوفيد 19 المعروفة باسم ( كورونا المستجد ) ، وتم الاهتمام به من قبل المؤسسات العلمية العامة والخاصة باعتباره من طرق التعليم الحديثة نسبيًا ، وعلينا ادراك الاختلاف بين مصطلح التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد ، مع انهما يشتركان في الأهمية العلمية. ومن معاني ومفاهيم التعليم عن بعد : وجود المقرالتعليمي أو المعلم ، أو بلغة الاعلام المصدر القائم بالارسال بمكان معين ، والطالب او المتلقي في مكان آخر ، حيث يتم متابعة مضمون الدروس او الرسائل اعتمادا – بالدرجة الأولى – على الشبكة العنكبوتية من خلال استخدام الهواتف الذكية او أجهزة الحاسوب الآلي ، وعبر برامج تواصل مختلفة ومعروفة .
وهناك مفاهيم وتعاريف مختلفة للتعليم عن بعد منها التعليم بالمراسلة أو التعليم المفتوح أو الدراسة المنزلية أو الخارجية أو المستقلة وهكذا.
والحقيقة أن هذا النوع من التعليم ليس حديث العهد كما يتصور البعض ، ” فقد إتخذه المسلمون كوسيلة لتحفيظ القرآن الكريم عن طريق مدارس تحفيظ القرآن وحلقات الكتاتيب حيث كان التلميذ لا يرتبط بالشيخ إلا عند تسميع القرآن فى نهاية حفظه”(1).
كما يحدثنا التأريخ عن أبرز نماذج المكاتبات العلمية بين الإمام مالك وتلامذته: كالليث بن سعد في مصر، وابن وهب في القيروان، علماً بأن الإمام مالك كان معلماً ثابتاً في المدينة فلم يرد عنه أنه خرج من المدينة إلا حاجاً إلى مكة، وأما تلامذته فكانوا في الأمصار يرسلون إليه أسئلتهم فيكتب إليهم من علمه، وكانت المراسلات فيما بينهم تتم عبر وسيلة البريد التقليدي الخاص بزمانهم كـ (القوافل البريدية)، وهي قوافل مخصصة لنقل البريد بين المدن والأمصار(2).
ومع مررو الزمن وتطور التكنولوجيا في العالم وازدياد الرغبة والحاجة للتعلم والمعرفة ، أخذ هذا الاتجاه منحى آخر أكثر تطورا .
ففي عام 1963م أنشأت بريطانيا جامعة الهواء ، ثم سميت بالجامعة المفتوحة فيما بعد حيث كانت الإذاعة والتلفزيون هما العناصر الأساسية في عملية التعليم إضافة إلى المراسلات ، وهكذا تم الإعلان عن هذا النوع من التعليم ، وتم افتتاح الجامعة في عام 1969م ، أما التعليم عن بعد في بعض الدول العربية فقد كان السبق لدولة لبنان حيث إفتتحت مجال التعليم عن بعد في جامعة برشام ، وفى سوريا بجامعة حلب والبعث وتشرين ، وفى دولة فلسطين بجامعة القدس المفتوحة ، ثم أسست دولة السودان مجال التعليم عن بعد فى جامعة الجزيرة ، وفي دولة قطر تم إنشاء برنامج التعليم الموازي المسائي الذي أنشأته الجامعة عام 1998م وجعلته مقتصراً على طلاب الخليج ، وأيضا فى تونس نجد المعهد الأعلى للتربية والتكوين المستمر ، أما في الجزائر فنجد أنظمة التعليم عن بعد في جامعة التكوين المتواصل ، كما نجدها في ليبيا في الجامعه العربية المفتوحة وكذلك في المملكة العربية السعودية بجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود(3). ايجابيات التعليم عن بعد :
1-بمقدور الطالب تلقي دروسه في الزمان والمكان المناسب .
2-يكون التعليم عن بعد من خلال وسائط التعلم دون الحاجة للتواصل المباشر بين الجهة التعليمية والمتلقي من الطلاب.
3-يتمكن الطالب بالحصول على حصته العلمية في حال عدم تمكنه من الحضور الى مقر المؤسسة التعليمية بسبب ظروفه التي تحول دون ذلك ، خصوصا اذا كان المعني بالدراسة فتاة ، ويبرز هذا الأمر بشكل جلي في المدن الريفية او ذات الطابع العشائري ، أو التي يضعف فيها الجانب الأمني.
4-من الناحية الاقتصادية توفر للطالب كلف السفر والتنقل للجامعة ، وفي الوقت نفسه تحقق للجامعة فرص عدم الانفاق على خدمات الكهرباء والمياه واجور موظفين وغير ذلك.
5-يستطيع الطالب من خلال التعليم عن بعد الاحساس بزيادة الثقة بنفسه ، من خلال عدم الاعتماد على الآخرين ، سواء في ايجاد الحلول العلمية أو متابعة مامكلف به .
6-هذه الطريقة من التعليم تهيئ للطالب وفرة من المعلومات ،وبسهولة ودقة تختزل له ساعات من البحث المضني ، أو التنقل لمكتبات أو مؤسسات داعمة.
7-من الناحية الاجتماعية للتعليم عن بعد انه يجمع شمل العائلة ، ويشعرها بالأمان .
كما ان للتعليم عن بعد ايجابيات فهو لايخلو من سلبيات منها :
1-انعدام خدمات الانترنت أو عدم انتظام انسيابيتها أوبطء تحميلها .
2-الأمية الفنية في استخدام اجهزة الحاسوب أو شبكة الانترنت من قبل أحد الطرفين ، أو الجهل في التعامل مع البرامج الوسيطة في عملية التواصل .
3-أسباب اجتماعية ونفسية تحول دون انعزال الطالب عن أقرانه ، أو عجزه العلمي وعدم تمكنه من تلقي واستيعاب الدروس بمعزل عن الطلاب الآخرين.
أخيرا أرى ان من واجب الحكومات في كل دول العالم ايلاء أهمية للتعليم عن بعد لما له من ميزات علمية كبيرة ، وشمولية متنوعة اجتماعية واقتصادية وعلمية وزمانية في كل البلدان ، وكذلك أدعو الأسر لتشجيع أبنائها على مواكبة هذا النوع من التعليم الحديث وتهيئة الظروف المناسبة لهم .
وأختتم مقالي في هذا الاطار بما جاء في صحيفة النيويورك تايمز الاميركية في دراسة لـ ( ستيف لوهر) ، نصت نتيجتها على مايأتي : ” في المتوسط الطلاب الذين يتعلمون في بيئات تعليمية عبر الإنترنت أفضل أداء من أولئك الذين يتلقون تعليماً من خلال اللقاء وجهاً لوجه