تمثل البحوث العلمية الإنسانية والاجتماعية مطلب إنساني كبير يهدف العلماء والباحثون من خلالها إلى حل المشكلات التي تعيق التطور الاجتماعي وبناء الإنسان بالشكل الأمثل وإسعاد البشرية وتحقيق السلام للإنسانية أجمع ، من خلال تحليل و تفسير ظاهرة أو حالة اجتماعية لم يتم التطرق إليها من قبل ، وجمع كل المعلومات اللازمة للوصول إلى المعرفة. ولايمكن للدول أن تتقدم وتتطور مجتمعاتها مالم يتم إيلاء أهمية للبحوث العلمية.وتعتبر البحوث وهي متنوعة وأصنافها عديدة حسب الغرض منها ، السبيل الأمثل للتوصل للحقيقة، فليس هناك علم أو تقدم علمي إلا عن طريق البحث العلمي، كما أن تقدم البحث العلمي يعتمد على المنهج العلمي.
وهناك تعاريف متعددة للبحث العلمي منها أنه: اكتشاف المعارف والحقائق وعرضها في إطار ممنهج لتحقيق التطور والتقدم. وكذلك هو : الأسلوب المنظم في جمع وترتيب وتصنيف وتحليل البيانات، وفقًا لقواعد محددة اصطلح عليها الخبراء. في حين عرفه البعض الآخر على أنه: دراسة الإشكاليات التي تواجه البشر، والعمل على حلها بأسلوب علمي. وكذلك: تنظيم الأفكار المتنوعة لكشف ما يجهله الإنسان من خلال مجموعة من القرائن. وأيضا : “استنباط السمات التي تكون التصور عن مشكلة معينة، من خلال المعلومات والأدلة والشواهد، بهدف حل تلك المشكلة(1).
وبلا شك تتأثر هذه البحوث بعوامل اقتصادية وثقافية وأمنية وتكنولوجية وسياسية ودينية تختلف من مجتمع إلى آخر حسب فعالية تلك العوامل ووجودها المكاني كما هو الحال في العراق . لكن لابد من تظافر وتوحيد جهود العلماء والباحثين داخل الدولة الواحدة ، أو في جميع أنحاء العالم من أجل تقدم البشرية على كافة الأصعدة ، بمنأى عن التأثيرات السياسية أو الاستعمارية أو العرقية أو الطائفية ، وبعيداً عن الأطماع والأحقاد التاريخية والضغائن ، مع مراعاة تحقيق عوامل اقتصادية ايجابية ونفسية في إطار استقرار عام ، تمكن من دعم وتطوير البحوث العلمية .
وفي العراق تحديداً توجد معوقات مباشرة وغير مباشرة تؤثر على عمل وديمومة ونجاح البحوث ومنها البحوث النفسية والاجتماعية ، مثل الفقر، الفساد الإداري، غياب الحريات، غياب الديمقراطية، انخفاض مستوى التعليم والثقافة ، التخلف ، تفشي ظاهرة الأمية ، التهجير القسري والنزوح الطوعي ، انعدام الخدمات ، عدم استتباب الأمن، ، والأخير يعد حاجة أساسية هامة في سلم حاجات الفرد والمجتمع ، لأنه يمثل الوعاء الذي يحتوي جميع الحاجات الأخرى، ومفردة الأمن لغوياً تعني نقيض الخوف وهو الاطمئنان ، كما أن الأمن يعبر عن الموقف المترتب على حالة معينة ناتجة عن غياب الخطر. (2)
وهناك أسباب أخرى تعيق عمل وتطور البحوث : منها مايتعلق بانعدام أو قلة مراكز الدراسات والأبحاث في كل الجامعات وعدم إيلاء أهمية لفائدتها العلمية في المتابعة والتطوير ، وضعف تقديم الحوافز والمكافآت المالية والتشجيعية للباحثين ومايقدمونه من بحوث ، وإغفال دور التفاعل وتبادل الخبرات مع الدول المتقدمة فيما يتعلق بتطوير قدرات الباحثين ومتابعة مستجدات البحوث العلمية ، وعدم الاهتمام بعمليات التبعيث والإفادات، وفي جانب آخر عدم دعم القطاع الخاص المتمثل بشركات معينة تساهم في التقدم التكنولوجي للبلد من خلال منح المساعدات المالية.
كما نلاحظ أيضاً وجود ظاهرة سلبية تتعلق في الباحث نفسه حينما يكون أستاذ عامل في أحد الجامعات . ففي ” اغلب الأحيان يهتم الأساتذة الجامعيون بالبحوث لغرض الترقية الوظيفية. ولا يمكن الإستفادة من بحوثهم في مجال الصناعة ، لأنها غير قابلة للتطبيق العملي. أضف إلى ذلك عدم توفر ركن الإبداع في كثير من الأبحاث بل قد تكون منسوخة عن بحوث منشورة في دول أخرى. و هكذا تعاني البحوث في العراق من مشاكل تفضي إلى التخلف العلمي وهي الفردية وفقدان المصداقية” .(3)
وبناء على ماتقدم يتوجب علينا إذا كنا نسعى بالفعل إلى دعم وتطوير البحوث العلمية ومنها النفسية والاجتماعية في العراق السعي إلى الآتي :-
1- ضرورة تحقيق تحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية والعلمية للمجتمع كعامل أساسي .
2- الإستفادة من العامل التكنولوجي في دعم وتطوير قدرات الباحثين ومايحتاجونه من أجهزة ومواد ومعدات .
3- دعم القطاع الخاص المتمثل بشركات معينة لكي تساهم في التقدم التكنولوجي للبلد من خلال منح المساعدات المالية.
4- دعم ومتابعة مراكز الأبحاث العلمية، ومؤسسات الدولة المعنية .
5- زيادة الإنفاق المالي على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي.
6- العمل على استفادة قطاع الصناعة والقطاعات الأخرى من نتائج البحوث العلمية في التطوير مع مراعاة فعاليتها في التطبيق .
7- التثقيف بأهمية البحوث العلمية من خلال زيادة الوعي والتوجيه المستمر داخل المؤسسات التعليمية وسائل الاعلام كافة .
8- تشجيع ودعم الباحثين من خلال تقديم الحوافز والمكافآت المالية المجزية لما يقدمونه من بحوث .
9- زيادة التفاعل وتبادل الخبرات مع الدول المتقدمة بخصوص بتطوير قدرات الباحثين ومتابعة مستجدات البحوث العلمية وايلاء أهمية للتبعيث والايفادات .
10- الإهتمام بدور الشباب ودمجهم وتعزيز مشاركتهم في صنع القرار وبرامج التنمية ، وبناء قدراتهم المعرفية التطبيقية والعملية.