مساحة الممكن فلسفة رابحة لمن يعمل عليها فيظفر بها ، وهي التي تحث الإنسان ألا يقف متألماً يتجرع الندم والحسرة على ما فاته من فرص وخيرات ، بل يتعامل مع فن الممكن ويترك خلف ظهره كل بعيد لم ينله ، لأن مساحة الممكن تتسع بالأعمال لا بالآمال، وحال تطبيقنا لفن الممكن مع شهر رمضان الذي مضى منه ثلاثة أسابيع – حتى وقت كتابة المقال – ، نجد دعوة حاضرة إلى الأمل في ما تبقى منه تمنحنا القوة و الاجتهاد في العبادة في شهر كله ثمار وإفادة .
إن صيام شهر رمضان لدى المسلمين لطالما أثار ولا يزال اهتمام العديد من الباحثين غير المسلمين في العالم منذ عشرات السنين ، فضلًا عن الباحثين والعلماء العرب والمسلمين، الجميع رصد في صيامه تغييرًا ملحوظًا في السلوك الغذائي والمعيشي خلال فترة زمنية محددة تتجاوز الـ 28 يومًا، وفي فترة صيام زمنية يومية تتراوح من 15 الى 20 ساعة بحسب مكان الصيام ، الأمر الذي يترتب عليه إحداث تغييرات فسيولوجية وحيوية في جسم الإنسان بسبب طول وانتظام هذه الفترة، حيث تتجلى هذه التغيرات في القياسات الجسمية ومن أهمها وزن الجسم، ومكوناته ، وفي مكونات الدم، والتي من أهمها الجلوكوز والكوليسترول والدهون الثلاثية وحمض الفوليك (Uric acid) وهرمون الليبتين (Leptin).
إن الطب الحديث لم يعد يعتبر الصيام مجرد عملية إرادية يجوز للإنسان ممارستها أو الامتـناع عنها، بل إن بعض الدراسات العلمية والأبحاث الدقيقة على جسم الإنسان ووظائفه الفسيولوجية، أثبتت أن الصيام ظاهرة طبيعية يجب على الجسم أن يمارسها حتى يتمكن من أداء وظائفه الحيوية بكفاءة، وأنه ضروري جدا لصحة الإنسان تماماً كالأكـل والتنفس والحركة والنوم. وكما يعاني الإنسان بل كما يمرض إذا حرم من النوم أو الطعام لفترات طويلة، فإنه كذلك لا بد أن يصاب بسوء في جسمه لو امتنع عن الصيام، وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبارة عن وصية “صوموا تصحوا” رواه الطبراني.
والسبب في أهمية الصيام للجسم هو أنه يساعده على القيام بعملية الهدم التي يتخلص فيها من الخلايا القديمة وكذلك الخلايا الزائدة عن حاجته، ونظام الصيام المتبع في الإسلام – والذي يشتمل على الأقل على أربع عشرة ساعة من الجوع والعطش ثم بضع ساعات إفطار – هو النظام المثالي لتنشيط عمليتي الهدم والبناء، وهذا عكس ما كان يتصوره الناس من أن الصيام يؤدي إلى الهزال والضعف، بشـرط أن يكون الصيام بمعدل معقول كما هو في الإسلام، حيث يصوم المسلمون شهرا كاملا في السنة ويسن لهم بعد ذلك صيام ثلاثة أيام في كل شهر كما جاء في سنة النبي صـلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والنسائي عن أبي ذر رضي الله عنه: “من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر”، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، اليوم بعشرة أيام.
أما من الناحية العلمية الصحية فإن الصيام له فوائد عظمى على الصحة، حيث يساعد على التخلص من الشوائب المتراكمة في جسم الإنسان ، ولقد استخلص العديد من الباحثين حول العالم عدة فوائد صحية للصيام أكدت في مضمونها أن السر في سلامة جسم الإنسان تعود إلى الغذاء بنسبة 95 %، والرياضة بنسبة 5 %، وأن هرمون النمو في الصوم، يسهم في تحفيز النوم في ساعات الصباح الأولى، فيعيد له النظارة في البشرة، ويقوي العضلات والعظام والحد من هشاشة العظام عند كبار السن، وبالتالي الحد من حوادث السقوط والكسور.
وقد أكدت عدة أبحاث ودراسات في دول غربية ، العديد من الفوائد الصحية للصيام، وباتت تلك الدول تخصص مراكز للعلاج بالانقطاع عن الأكل والشراب أي الصيام بفترات زمنية مختلفة، والتي من بينها صيام يوم والإفطار في اليوم الآخر، أو صيام 18 ساعة متواصلة والإفطار في الـ6 ساعات الأخرى، ووضع خطط بديلة لمواجهة الانقطاع عن الأكل والشرب يتمثل في تناول مواد غذائية للحد من الشهية، والتي من بينها: الشاي الأخضر، والقهوة، والقرفة ، معتبرين أن الصيام طبيب داخلي للإنسان ، حيث إن الانقطاع عن الشراب والأكل يتوافق فسيولوجيا مع جسم الإنسان في توفير أقصى الفوائد الجسمانية، ونصح الباحثين الصائمين بممارسة الرياضة بعد الإفطارمع أفضلية الابتعاد عن تناول الحلويات .
وهناك عدة فوائد للصيام على مستوى الجهاز الوظيفي ومنها: الكلى وسكر الدم والأوعية الدموية ، فيؤدي الصوم إلى تنقية الكلى والمسالك البولية ويعطيها الوقت المناسب لتجديد ترسانتها الخلوية كي تكون على أهبة الاستعداد لتأمين ما هو مطلوب منها، أي تصفية الدم وطرح البول لطرد الشوائب والسموم، كما أن الصوم يمثل علاجاً مهماً في العديد من الإصابات الكلوية والبولية.
ينظم الصوم إفراز هرمون الأنسولين الذي تنتجه غدة البنكرياس وهذا له أثره الإيجابي على مستوى السكر في الدم بحيث يبقى ضمن إطاره الطبيعي. والمعروف أن الإكثار من الطعام يلقي عبئاً ثقيلاً على غدة البنكرياس التي تفرز هرمون الأنسولين الحارق للسكر، وهذا العبء قد يؤدي مع مرور الوقت إلى عجز الغدة عن القيام بوظيفتها فيتكوم السكر في الدم ويرتفع فوق الحدود المرسوم له ما يعني طبياً الإصابة بداء السكري. إن الإحجام عن تناول الطعام يسهم في ضبط معدل السكر في الدم بحيث يعود إلى مستواه الطبيعي.
يقلل الصوم من نسبة الفضلات والدهون الجائلة في الأوعية الدموية، خصوصاً في الشرايين، ما يسهل تجوال الدم في داخلها، من دون عثرات ولا عوائق، كما يحد الصوم من إفراز هرمونات الغضب (الأدرينالين والنورادرينالين) التي تؤدي إلى تأجيج أرقام الضغط الشرياني نحو الأعلى.
فضلا عن العديد من الفوائد الصحية والنفسية لجسم الانسان في شهر رمضان بحسب دراسات طبية مؤكدة من مثل :-
– إتاحة الفرصة للجهاز المناعي في التكفل بالدفاع عن الجسم .
– تفعيل الجهاز العصبي في الإسراع في ضربات القلب، وتحفيز الهرمون المسؤول عن توفير السكر للدماغ .
– تفعيل الغدة النخامية للهرمون المسؤول عن أداء الكليتين بحبس الماء، وإكساب الكليتين القدرة على البول .
– تفعيل الأوعية الدموية في رفع ضغط الدم للقيام بالأنشطة الجسمانية المختلفة
– إفراز هرمون من الغدة الكظرية لحبس الأملاح، بالتوافق مع حبس المياه، بشكل متناسق بين الأملاح والمياه .
– هدم الدهون في الجسم مع توافر فرصة لتقليل وخفض جرعات الأدوية والوزن .
المراجع – كتاب د. أمين أمواجي للفوائد الطبية للصيام