الإعلام وأفق الحداثة

on 09 April 2020, 08:00 AM
بقلم: د.مازن موفق الخيرو
بقلم: د.مازن موفق الخيرو – استاذ البلاغة والنقد الأدبي جامعة الموصل

عند معاينة الماضي نجد أن أشكال الهيمنة والاستبداد التي كانت تمارس على الشعوب على مختلف الأصعدة ( الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية … إلخ ) كانت محصورة بالآلة العسكرية ، لكننا اليوم نلاحظ حالة تغاير الحالة السابقة إذ أصبحت الحداثة هي العنصر الموجه والقائد الذي يبث آليات الهيمنة الجديدة على العالم من خلال تقنيات التواصل التكنولوجيا الحديثة ، إذ جعلت العالم قرية صغيرة يمكن اختزالها في جهاز صغير كالموبايل أو الأجهزة الذكية الأخرى ، إذن الحداثة شيء يستحق أن يطارد عقولنا وعقول الأجيال القادمة بعدنا . لقد تم توظيف الحداثة من خلال الهيمنة الإعلامية وصناعة الفكرة لإيصالها للمتلقي بالشكل المراد إخضاعه بها ، فهي قادرة على تكوين عقل المتلقي وتوجيه ثقافته حجاجياً عن طريق تشكيل وقائع دلالية تعمل على خلق بيئة الإقناع . إن النتيجة من كل هذا هي محو الحقيقة أو على أقل تقدير تضليلها ، فالحقيقة أضحت نسبية مع طغيان الأوهام في ظل شيوع حرب الأفكار ، وللخروج بنتيجة تكون قابلة لأن تكون حقيقية يجب تفعيل حالة الربط الذهني أو بعبارة أدق حالة التفكير العقلي المبني على مسلمات يقبلها العقل ضمن مقتضياته التي تشكله ؛ إذ تصبح الأفكار المطروحة عبارة عن شائعات مضللة للحقيقة لكن الحقيقة تبقى هي الحقيقة على وفق ما سبق تبنيه ، وهذا بالضرورة يحتاج إلى تأمل والتأمل يحتاج إلى زمن ، وعصر الحداثة تحكمه الأزرار وتشكيل الصور السريعة عبر شاشات العرض ، لكن هناك سؤال يطرح نفسه . من الذي يستطيع تحكيم الحقيقة بناءً على المنظور الفكري المنضبط ؟ الجواب لا يمكن ذلك لعامة الناس فنسبة الذين يمتلكون الحقيقة لا يمكن أن تقارن بنسبة من لا يمتلكونها ، فالأطفال ومن درجة ثقافته العقلية من عامة الناس أكثر بكثير ممن دون ذلك ، فهذه النسبة ستتلقف الشائعة بسهولة وتخضع لها بينما تبقى الحقيقة في مكانها محدودة كما يقول ( تشرشل ) : ( الشائعة ستدور العالم بأسره بينما لا تزال الحقيقة ترتدي ملابسها ) ، إذن العملية معقدة جداً في ظل هذه التحديات ، وخير مثال على ذلك إشاعة فكرة الخوف من مرض ( كورونا ) المستجد ؛ إذ هرعت القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة ببث الرعب في قلوب البشر من هول هذا المرض في مدة محدودة لا تتجاوز اليومين أو الثلاثة ، فخلطت ما بين التحذير والتهويل فتحطيم الجانب النفسي لدى المتلقي يعمل على خلق حالة الذعر والخوف المزمن عنده بدلاً من حالة السكينة والاطمئنان التي كان عليها قبل تلقي خبر انتشار المرض .