الإعلام المقاوم

on 28 October 2022, 08:00 AM
أ . د عبدالكريم عبد الجليل الوزان
أ . د عبدالكريم عبد الجليل الوزان

الإعلام هو لسان حال المجتمع والمعبر عن طموحاته وتطلعاته بمختلف الوسائل الإعلامية المتاحة، وخاصة بعد التطوير الكبير في تكنولوجيا عالم الاتصال، ودخولنا الى عالم التحول الرقمي والرقمنة الإعلامية وتحقق الرسالة الإعلامية غايتها بالشكل الصحيح اذا ما كان هناك خطاب إعلامي رصين وقائم بالاتصال محترف، ووسائل تنفيذية، في ظل تحقق عوامل أمنية واقتصادية تعزز من إتمام الاتصال.

 

واتخذ الإعلام مسارات مختلفة تبعا للتطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم، حتى أصبح لدينا إعلام مقاوم للتيارات والنزعات الفكرية التي تجسدت من خلال البروباغاندا الممنهجة والمؤدلجة ، عبر وسائل الاعلام البديل، وكذلك من خلال الاذاعة والتلفزيون الناطقة بلغة الشعوب المستهدفة ، واتخذ إعلام المقاومة دورا دفاعيا وهجوميا للتعبير عن ثقافة المقاومة من أجل تحقيق أهدافه.

 

ويعد الاعلام المقاوم ساريا في حالتي الحرب والسلم، ولكنه ينشط ويشتد أثناء فترات النزاعات والحروب. والإعلام المقاوم أو الممانع نابع من وجود قضايا عادلة وحقوق مكتسبة يجب الحفاظ عليها، ولا تقل أهمية تأثير كلماته عن أهمية الرصاص التقليدي، بل هو أكثر تأثيرا وأسرع انتشارا وأعم فائدة . وهناك عدة تعاريف ومفاهيم الاعلام المقاوم أو إعلام المقاومة، يمكن ان نأخذ أوجزها فهو : مجموع الدّراسات والممارسات الإعلاميّة الهادفة لنشر ثقافة المقاومة على المستويَين الفرديّ والجمعيّ، عبر خلق أو تعديل أو تثبيت الواقع في مواجهة واقعَي الاحتلال والهيمنة”(1).

 

والاعلام المقاوم اعلام شعبي جماهيري لأنه يمثل طموحات الشعب تقوم به عناصر وطنية ذات خبرات اعلامية ، والتأريخ المعاصر بالذات يجسد لنا صور ناصعة من هذا النوع من الإعلام في بلدان عديدة ، نأخذ على سبيل المثال منها لا الحصر: فيتنام وفلسطين والعراق وكوبا والجزائر ومصر وسوريا وبعض دول أفريقيا.

 

وبلاشك فإن أول ما يواجه الاعلام المقاوم هو الإعلام المضاد المضلل الذي ساهم فيه العالم الاتصالي المفتوح ، والوسائل الاعلامية الحديثة المتاحة للجميع ، كما أدى التنافس بين هذه الوسائل إلى انتشار ظاهرة الأخبار المثيرة، وهذا التضليل يستهدف غسيل الدماغ وإضعاف المعنويات، وخلق الشك بوقائع التأريخ وثوابت الدين والأنبياء وسيرة العظماء، وأبرز ذلك الدعاية الإسرائيلية . ويعرف التضليل الاعلامي بأنه : ” العبث بمحتوى اتصالي وتوجيهه بشكل ممنهج لخدمة أهداف تنحرف عن المصلحة العامة الى اخرى ضيقة للحصول على نتائج تتعارض مع الحقيقة لترسيخ واقع محدد في ذهن المتلقي”(2). وتساهم في إنجاح الاعلام المضلل عوامل مختلفة أهمها التكنولوجيا ورأس المال والتحالفات الدولية على مختلف أنواعها ، والدراية المسبقة والمعرفة الكبيرة بطبيعة تأريخ وتكوين المجتمع المستهدف ، الى جانب القدرات المهنية والتقنية للقائم بالاتصال والحصانة الفكرية التي يتحتم ان يمتلكها . ونلاحظ أن هناك دول تنشئ إذاعات وقنوات ناهيك عن الصحف والسوشيال ميديا لاختراق وإفشال نهج الاعلام المقاوم مثال ذلك ، ” في العام 1968 قامت حكومة إسرائيل بتعيين لجنة مهمتها فحص إمكانية إقامة راديو وتلفزيون بالعربية لاستغلالها في حرب الدعاية الصهيونية ضد العالم العربي بشكل عام، وضد سكان يهودا والسامرة وقطاع غزة(المناطق المحتلة عام 67)”(3) . بيد ان الاعلام المقاوم يعول ويستفيد كثيرا في ساحة عمله من السوشيال ميديا وبرامج التواصل الاجتماعي وأهمها الفيسبوك ، كونها متاحة، يتعرض لها الجميع، وسهلة الاستخدام وغير مكلفة .

 

ولا يتوانى الإعلام المقاوم في تجسيد وقائع تأريخية عبر الأدب والفن من أجل شحذ الهمم ورفع المعنويات، وفضح الفظائع من جرائم العدو ودحض ادعاءاته وإحباط معنويات مقاتليه ، وثني ساستهم عن المضي في ارتكاب المزيد من الحماقات، وكل هذا وذاك يتطلب منه إيجاد علاقات ايجابية مع الدول والمنظمات وكسب عطفها وودها عبر اثبات الحجج وتأكيد الأحقية ، مع ضرورة التركيز على تفعيل الرأي العام الدولي وتحويله من باطن الى ظاهر، ومن خامل أو ساكن الى فعال، لتحقيق أهدافه بيسر ودقة .

 

ولا تقتصر محاولات العدو على وسائل الإعلام التقليدية إحداث تشويش على الاعلام المقاوم، بل يمتد تأثيره الى تسخير الطابور الخامس من عملاء وجواسيس وانتهازيين ومنتفعين ومجرمين ، يعملون على نشر الدعايات والتسقيط والتشهير وتشويه سمعة الصفوة ، وبعض هؤلاء يتبوء مراكز مهمة في الدولة أو القطاع الخاص ، وبذلك فإن على الاعلام المقاوم ان يضع ذلك في أولويات نهجه ومنهجه وغالبا ما ينطلق عمل الاعلام المقاوم من خارج الحدود حينما تكون البلاد مستباحة وتحت سطوة المحتل ، حيث تتوفر عوامل الأمن والسلامة والحرية والتكنولوجيا . ومن اليسير ان يحقق القائم بالاتصال في الإعلام المقاوم خارج البلاد علاقات ارتباط ومتابعة مع عناصر إعلامية مقاومة في الداخل، مما يساعد على إعداد خطاب إعلامي رصين، وإيصال سريع للرسائل الاتصالية في الداخل والخارج على حد سواء ، ويمكن القول إن من عوامل نجاحه في الداخل مستوى الوعي الثقافي ودرجة العمق الوطني للمجتمع الذي يعمل من أجله ، فيوفر له الحماية ويمده بكل ما يسهل عمله من معلومات ذات صلة قيمة .

 

والإعلام المقاوم ليس بالضرورة ان يكون خارج نطاق السياسات الحكومية او يعمل بالضد منها ، بل وسائل إعلام الدولة عادة هي من تقوم بهذا الدور حينما تكون مبنية على أساس عادل يحافظ على استقلال البلاد وحمايتها من مختلف أنواع الغزو وخاصة الفكري والثقافي .

 

وأخيرا فإنه يمكن للإعلام المقاوم ان يتصدى للإعلام المضلل باعتماده على الوعي والمهنية والحصانة الأمنية ، والابتعاد عن الركون لإثارة الجدل والحوارات التي تعزز من فعالية المعلومات المضللة ، كما يتوجب إشراك الجمهور في الاحاطة والتفنيد للمعلومات السلبية ، بحيث يشعر بدوره وأهميته وتعزيز الثقة بنفسه ، كما يجب على المؤسسات الرسمية ان تحافظ على سرية معلوماتها ، وفي نفس الوقت عليها التفاعل بشكل مباشر من خلال الرد والتوضيح بالأدلة على كل ما يستهدف الجمهور دون الاكتفاء بالنفي المجرد .

وفي هذا السياق يجب على المؤسسات الأمنية والرقابية أن تأخذها دورها وخاصة فيما يتعلق بالرقابة الإلكترونية ، وتنظيم قانون النشر والمطبوعات وفق قوانين معدلة تتناسب مع روح العصر .

 

كذلك من الأهمية بمكان إدخال مادة الاعلام كمقرر ضمن مناهج المدارس الثانوية على الأقل ، واعادة النظر بالمناهج التعليمية ، وقيام الأسر بمتابعة تصرفات أفرادها. وللأسف ساهم التحول الرقمي بعملية التضليل من خلال الاستخدام المنفلت والخاطئ للأفراد والجماعات لوسائل الإعلام ، ولطبيعة التعامل مع مضمون الأخبار . ولابد من وجود تنسيق مباشر ومنظم ما بين وسائل الإعلام في المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة وما بين وسائل الإعلام الرسمية المتخصصة.

 

 

 

1- علي الطقش ، الإعلام المقاوم: المفهوم والتأسيس ، https://baqiatollah.net/article.php?id=10075 ،23-1-2021

 

 

– Abdu salam shlebak 2. ، مفهوم التضليل الاعلامي وكيفية المواجهة ، https://www.absi.cc/2020/12/blog-post_26.html،26ديسمبر 2021