من مسلّمات الحضارة الإنسانية: مراعاة مشاعر الإنسان.فالذين يعيشون على كوكب واحد، يجب أن تتلاشى بينهم العاجيّات والفوقيّة، لأننا في المحصلة النهائية نكمّل بعضَنا البعض، مع استقلالية للذات في الفرد والمجتمع والدولة والأمة. فتجمعنا أمور وتفرّقنا أمور.
وبما أننا نتفق جميعًا، على أنّ الاعتداء على ممتلكات الآخرين لا تقبله الفطرة الإنسانية، وأنّ من أشدّ أنواع الاعتداء: «توجيه الاتهامات إلى الأبرياء دون مسوّغ مقبول، ولا قانون مطبّق».
فمن هنا يعتبر النبلاء والعقلاء والشرفاء، بأنّ المساس بثوابتهم يفضـي إلى حالات لايدخلها الرضى، بل.. يعتريها الغضب والاشمئزاز والنفور، مما يستلزم ردّ الاعتبار إليهم في نظرهم.
ومن ثوابت أمتنا الإسلامية التي تمتدّ زمانا ومكانا، والتي ترتبط بخالقها ورازقها، وأنّها تمتلك قرآنا يهديها إلى الصواب، وتحمّل الأعباء عن الإنسانية، ولديها سيرة نبيها الكريم العربيّ الصادق الأمين محمد صلى االله عليه وسلّم، وأنّ هذه الأمة تكبح جماح نفسها أمام المنزلقات، وتتجاوز بالعلم والحلم العقبات.
ومن الطبيعيّ أنّ أمة الإسلام تعيش أزمة في بعض الأزمنة أو الأمكنة، ينتابها ما ينتاب البشـر لأنهم بشر، إلا أنّ الإسلام شأنه شأن آخر، فلا أزمة في أخلاقه ولا تشريعاته ولا تطبيقاته ولا نتائجه ولا شبهة في حقائقه ولا غموض في دقائقه، هو كالشمس في ضحاها، وثماره كالقمر إذا تلاها.
ونحن في أمة الإسلام، نتعامل مع الأصدقاء والأعداء، بشـريعة سمحة، فنراعي مشاعر الآخرين، ولا نجحف بحقوق المستحقين ولا نستبيح الدماء البريئة، لأنّ الإسلام يُحرّم الربا، ويُجرّم السرقة، ويمنع السلب والنهب، وينهى عن الغشّ والخداع، ويحذرُ من التجسس وسلب حريّات الشعوب والمجتمعات، وأمة الإسلام لا تستضعف الضعيف ولا
تهاب القويّ، أمة عريقة، فتتعامل بأخلاقها، حتى وإن واجهها الآخرون بنقصان أو انعدام من مشاعر الإنسان.
لقد أثبتت أمة الإسلام، أنها صمام الأمان للعالم، فهي تمتلك الشجاعة لعبور المستنقعات التي تصنعها الأيادي الخفيّة، وأولئك الذين يقضّون مضاجع الإنسانية، فالأخلاق الحميدة لا تشكّل أزمة ولكنها تحلّ الأزمات، وتقلل من العواقب الوخيمة التي يزرعها الإنسان لأخيه الإنسان، ولأنّ الحقَّ أبلج ولأنّ أمة الإسلام صاحبة حقٍّ مسلوب منذ قرنٍ من الزمان، فقد أثبت المسلمون أنهم يتعايشون مع واقعهم، ويبحثون عن حقوقهم بأسلم الطرق وأكثرها أمانا لتقليل الدماء استباحة الأعراض، ولا يقدمون على ىسلام الإنسان تجارة ولا أرصدة بنكية ولا كنوز الذهب والألماس، ولا يتركون شيئًا يشكّل لديهم أزمة مع الآخر، فمن يقذفهم بالزجاج الحارق، يرسلون إليه الورود ليتعرّف على الإسلام أكثر، ويُقبل بحبّ ورضى، ولا أعرف دولة من دول الإسلام إلا وقد فتحت بابَها للعالم.
ولعلّ سبب مقالتي هذه، ما ذكره الرئيس الفرنسي، وهو يتكلّم: «إِنّ الإسلام يعيش أزمة». فاسمح لي فخامة الرّئيس أن تراجع معلوماتك فالإسلام رسالة سماوية سامية، لا يعرف الأزمة أبدًا، وأننا نطبق تعاليمه، مما يعطينا أملا في أن تكون الإنسانية في رفاهية وسعادة بعيدة عن الاحتلالات والتعديات وتحطيم المشاعر.