الإسلام دعوة إلى الجمال

on 18 December 2018, 08:53 AM
بقلم: د.أحمد ربيع إسماعيل
بقلم: د.أحمد ربيع إسماعيل

إن  من رحمة الله  – تعالى – بالبشرية  وإرادته الخير لها أن  ارتضى لها دين الإسلام  شرعة ومنهاجًا، ونورا ونبراسا،  وهداية  ورحمة،  جمع  فيه  كل  محاسن ما سبقه من الشرائع السماوية ، وأودع  فيه حل  كل معضلة والخلاص من كل  مشكلة، فما  من  شيء  من أمور  حياتنا –  صغُرَ أو كبُرَ إلا  وللإسلام  فيه  مدخل وحكم،  فهو الدين الحق الحاكم  لكل تصرفاتنا، فبه نحيا ونسعد وعليه نموت مرضيا عنا إن  شاء الله  تعالى.

وإذا  كان الله  عز وجل  قد  جعل  هذا الكون الفسيح آية للتدبر في خلق الله  جل وعلا،  فقد  سخر فيه  أرضه  وسمائه  ومائه  وهوائه  كل  مقومات الحياة  الصحيحة القويمة للإنسان  لكي  يتحقق له معنى الخلافة التي أرادها الله عز وجل له والتي أنزل الله تعالى  بيانها في قوله  سبحانه  وتعالى “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ”(البقرة:30)  ولكي يقوم الإنسان بعبادة الله تعالى التي هي الغاية من خلقه مصداقا لقوله جل شأنه « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ »( الذاريات: 56).     

ومن  رحمة الله  تعالى بالإنسان أنه أنعم عليه بهذا الكون سليما نقيا خاليا من الأمراض والأدران لا تشوبه شوائب ولا تعكره أكدار، فكان كونا جميلا يسر النظر ويريح الفكر، والناظر إلى صور الجمال في الكون والحياة يجد أنها خير دليل على قدرة الله  تعالى  وعظمته وحكمته، فاتساق الكائنات الحية والجامدة ، وامتداد السماء بصفائها وأمطارها  وسحبها ، وتدفق الأنهار والبحار  بمياهها، وتنوع  المزروعات  واختلاف ألوانها  وطعومها وأغراضها ،  كل  ذلك مدعاة  للإنسان أن يتدبر في عظمة هذا الكون ، ويسبح بفكره في خالقه  ومدبره، حيث  حثنا الله  جل وعلا على التدبر فيه. وحثنا كذلك على المحافظة عليه فلا  تعبث أيدينا فيه  عبث المخربين، بل الأجدر بنا أن نحفظ عليه  نظافته  وطهارته.  

والناظر في دين الإسلام السمح  ليجد أنه يهتم بالجمال في  مختلف النواحي، وحسبنا أن  ينص الحبيب  المصطفى “صلى الله عليه وسلم” على ذلك نصا  صريحا في حديث « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ». 

ومظاهر الجمال التي اهتم بها الإسلام أو دعا إليها كثيرة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً:

دعوة الإسلام إلى جمال الثوب وحسن المظهر والهندام ،وذلك من خلال الزينة والتطيب  والتعطر وترجيل الشعر وتهذيب  اللحية، ومن خلال  لبس الثياب الحسنة والتجمل لقضاء المصالح أو لمقابلة الوفود ونحو ذلك. 

ويدل على ذلك بالإضافة للحديث  العام المتقدم ذكره ما يلي: 

 – قول الله تعالى(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]. 

 – حديث «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ التَّعَطُّرُ وَالنِّكَاحُ وَالسِّوَاكُ وَالْحَيَاءُ» . 

– حديث عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِى السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ وَأَرْسَلْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ .    

 

ثانياً: 

 دعوة الإسلام وترغيبه في نكاح المرأة الجميلة، وذلك حتى تعف زوجها عن النظر إلى الحرام، وإن  اندرج هذا الجمال تحت الخلق الحسن  كانت النعمة أكبر، ففي حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» . 

ثالثا: 

دعوة الإسلام إلى  تجميل الصوت  وتزيينه  عند قراءة القرآن، وترغيبه  في  اتخاذ المؤذن الجميل  الندي الصوت. 

 

ففي حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» . 

وفي حديث مشروعية الأذان يقول سيدنا عبد الله بن زيد لما رأى ألفاظ الأذان في المنام:  فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلاَلٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلاَلٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ. 

رابعاً:

دعوة الإسلام إلى الجمال من خلال إباحة التمتع  بمباهج الحياة الدنيا في إطار الشرع الحنيف. حيث لم يحرم الله تعالى التزين بالملابس الفاخرة والسياحة في الأرض للتمتع بمباهج الحياة، كالشواطئ والحدائق ونحوها، ولكن أن يتم ذلك في إطار الشرع الحنيف من الحفاظ على العورات وعدم الاختلاط ونحو ذلك مما يغضب الله تعالى.    

 

وقد عاب القرآن على من يحرمون أشياء أحلها الله تعالى من الزينة فقال جل شأنه “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ” [الأعراف:23-33].       

ولذلك فحينما يتشدق المتشدقون بتحريم ما لم يحرمه الله عز وجل، يقال لهم اتقوا الله تعالى  في دينكم وفيما تقولونه للناس، وقدِّروا الأمور حق قدرها.  

فالجمال الذي ينشده الإسلام ويدعو إليه هو ما  كان يستخدم في طاعة الله تعالى،  فتجمل المرأة لزوجها  والرجل لزوجه تجمل مشروع ، بل يشتد ليعف كل منهما  صاحبه. أما  تجمل المرأة لغير زوجها والرجل لغير زوجته فهو طريق موصل إلى الحرام، وكل ما يوصل إلى الحرام  فهو حرام.    

ومن هنا يعلم أن الجمال أمر احترمه الإسلام وحث على المحافظة عليه والاحتفاظ بمظاهره في إطار الشرع الحنيف، فديننا فيه فسحة وسرور، وليس داعيًا إلى الحزن والكآبة، وصدق الله تعالى حيث يقول:«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»  [المائدة:3]. والحمد لله على نعمة الإسلام وما فيها من عظمة وجمال وسمو ورقي ورفعة .