تبدي الأسرة المعاصرة استهجاناً كبيراً من أزمة الهوية، في وقت بات فيه اصطلاح ثقافة التغيير يشكل منحدراً نفسياً واجتماعياً عميقاً عند الحديث عن طموح الأبناء في استقلالية بعيدة عن القيود، يقابله خوف عميق من معضلات يواجهها الشباب قد تودي بهم إلى منزلق التشتت النفسي والفكري وانفلات للضوابط التي قد تدفع بهم إلى الجريمة أو التطرف.
وقد يغيب عن البعض أن ثقافة التغيير ليست شبحاً مرعباً يفكك الكيان الأسري والنسيج الاجتماعي إذا ما قُدمت بطريقة صحيحة، (مارشال ماكلوهان) في أحدث نظرياته الاتصالية يعتبر: أن كل حقبة زمنية تستمد شخصيتها المميزة من الوسيلة الإعلامية المتاحة آنذاك وأن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل تشارك بشكل عميق في حياتنا، لأنها تتفاعل البنية الفردية والاجتماعية مراراً وتكراراً حتى تصبح جزءاً من أنفسنا تقضي على الفردية والقومية، وتنشئ عالماً جديداً، فلا يتصور أحد حياته المعاصرة اليوم بغير هواتف ذكية أو إنترنت، لكن التهديد الحقيقي يقع عندما تستغل هذه الوسائل بسيطرة لا إنسانية أو تغيير عن مسار الحقيقة أو القيم، فثقافة التغيير مرتبطة بنشوء الإنسانية، ومفرزاتها الطبيعية نجدها في كافة أشكال الحداثة الفكرية ومراحل الإصلاح والنهضة الذاتية، ولكن ليس من الإنصاف أن تتقولب التنوعات إلى صراعات تنحى بأمن الأسرة بعيداً عن الضبط المجتمعي.
ربما آن الأوان أن يجلس الجميع على طاولة حوار تأسيسيٍ لأرضية مشتركة بعيداً عن حالة التأهب والاحتقان والاتهام لكل ما يستجد، وبعيداً عن سجن الانطباع الأول والمعلومة الأولى والمعلومة الخاطئة، وبعيداً عن واعظي الكراهية وفكر التعصب، لا تلغي تاريخنا ولا تتجاهل حضارتنا، وتدعم تنمية أسرية مستدامة، فليست المزاوجة بين الثقافات حلاً لتلطيف الأجواء في ظل المتغيرات البراجماتية والأيدولوجية، بل على العكس إنها ستعمق أشكال الصراع وتباعد الهوة بين الأبناء والآباء، ومادامت الأسرة هي السبيل الأول للتنشئة الاجتماعية، فإن تعزيز الوعي الفكري والتعاون والتكامل واحترام الآخر وتحمل المسؤولية المتبادلة من شأنه أن يضفي سياجاً أمنياً لكل أسرة تطمح للاستقرار.
د. سونا عمر عبّادي الأستاذ المساعد في القضاء الشرعي والتحكيم جامعة العلوم الإسلامية العالمية- الأردن