ترجع أصول ظهور المقاربة الآرغونوميا في ميدان العلوم الإنسانية والاجتماعية، إلى مبادئ فلسفية، تسترشد بعدد من النظريات في مسيرتها العلمية، بحيث انتقلت بموجبها الآرغونوميا من الحالة النفسية للفرد ألى الأبعاد الاجتماعية للمنظمة. وفرضت حالة إعادة هيكلة للحقول المعرفية.
الآرغونوميا هي المجال العلمي المهتم بفهم التفاعلات بين الإنسان وباقي المكونات لنظام ما، وهي في المهنة التي تطبق عليها مفاهيم النظرية، المعطيات ومناهج لتحسين الارتياح للأفراد والفعالية الشاملة للأنظمة.
فمهمة الآرغونوميا وتطبيقاتها في العلوم الإنسانية والاجتماعية هي إعداد قوانين لمقاربة موجهة أكثر نحو المستقبل ،أذن استشرافية في تحسين ظروف المعيشة ومقتضياتها. وبالتالي الآرغونوميا الاستشرافية تقترح استكشاف سبل جديدة في مجال تحسين نمط الحياة للوقاية من التعب والإرهاق للفرد وتعزيز الإنتاجية البشرية. هذه المقاربة الشاملة للأرغونوميا متعددة الاختصاصات تتسم بالأهمية المتزايدة لمعالجة المعلومات والتغيرات على تنظيم المجتمع. تتطلب باحثين وممارسين من مختلف المجالات، ولكن يجمعهم هدف مشترك ألا وهو جودة حياة الفرد. وبذلك أصبح المسعى هو تحقيق الفعالية الإنسانية القصوى ليتوق في هذه المرحلة إلى تطوير قدرات الإنسان البدنية والذهنية لزيادة فعاليته والوصول بها إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه في حدود ما تسمح به الشرائع الدينية والقيم الأخلاقية والقوانين الشرعية.
على الرغم من هذا فالآرغونوميا في العالم العربي مازالت تعاني التشتت وعدم إثبات هويتها وأحقيتها بالتطبيق، بوصفها منهجاً بحثياً من مناهج البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، على الرغم من التحول الكبير الذي طرأ خلال السنوات الماضية على استخدام المنهجية الآرغونوميا في مجال البحث العلمي بالمؤسسات والجامعات في الدول المتقدمة. كما نأمل أن يعمم تطبيق مبادئ الآرغونوميا كاستراتيجية علاجية في جميع المجالات وما يمكن أن تقدمه من خدمات لتدعيم التصميم الاجتماعي لصناعة الإنسان وجودة الحياة. فالمستوى العلمي والإبداعي التكنولوجي اللذان يحققان للدول المتقدمة ما هما إلا ثمرة لاستثمارها الذكي في أنظمتها الاجتماعية وأبحاثها العلمية الذي شرعت فيه منذ أمد بعيد.
بقلم : د . سليماني صبرينة – أستاذة علم النفس العمل و التنظيم جامعة عبد الحميد مهري – قسنطينة